وصلتم إلى ملفّ المواد التربوية الخاصة بجمعية حقوق المواطن.
للوصول إلى الموقع الجديد للورشة، اضغطوا هنا >>

أن نكون أحرارا لا يعني فقط كسر القيود” نلسون مانديلا 1918 – 2013

آخر تحديث في تاريخ 11/12/2013

رحل عنا  قبل خمسة أيام من الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان، رئيس دولة جنوب أفريقيا السابق، المناضل الكبير من أجل الحرية والمحارب ضد نظام الفصل العنصري الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، والحائز على جائزة نوبل للسلام، نيلسون روليهلاهلا مانديلا. يقف العالم اليوم حزينا على فراقه.

قبل ان يُحكم على مانديلا بالسجن مدى الحياة، قال: “حاربت ضد هيمنة البيض، وكذلك ضد هيمنة السود. إن الفكرة التي حاربت من أجلها، كانت عبارة عن تصور لمجتمع حر وديمقراطي، حيث يعيش الجميع في انسجام، وفرص متساوية للجميع. تلك هي الفكرة التي أحيا من اجلها وآمل أن أحققها. وإذا لزم الأمر، فأنا مستعد للموت من أجلها”. هكذا أضحى مانديلا الزعيم الذي قال ان هناك نضالات من أجل الحرية تتطلب ف سياسيا عنيفا رمزا للنشاط السياسي الذي يدعو الى اللآ-عنف، وتحول الى الرجل الذي فضل المصالحة على الانتقام، وأصبح بذلك أب الأمة في دولة جنوب أفريقيا، حيث يُعد في نظر الكثيرين رمزا للسلام والمساواة، زعيما ملهما يقف جنبا إلى جنب مع قادة العالم التاريخيين الذين دعوا الى نضال سلمي وبدون عنف مثل مارتن لوثر كينغ والمهاتما غاندي.

Nelson_Mandela-2008_editفي العام 1948 عندما تسلم الحكم  “الحزب القومي”, وهو الحزب اليميني في جنوب افريقيا، بدأ  بتشريع قوانين التمييز والفصل العنصرية والتي تحولت لما سمي لاحقا سياسة ونظام الابارتهايد. نادى هذا النظام ب “تفوق العرق الأبيض”. ومنذ العام 1949 بدأ “الحزب القومي” الذي كان يمثل جزءا صغيرا بداخل الأقلية البيضاء بتطبيق نظام الفصل العنصري. تلك القوانين منعت المواطنين “غير البيض” من ممارسة حقوقهم المدنية لمدة 42 عاما. يمكننا ان نجد قائمة طويلة من قوانين الفصل العنصري الأبارتهايد التي مست بشكل منهجي بالمواطنين “غير البيض”.

تميزت حقبة الأبارتهايد بعدة نواح، منها العنف السياسي الكبير. احدى تلك الحوادث كانت “مجزرة شيفيلد” ، ذلك الاسم الذي أعطي لأحداث ال 21 آذار 1960 والتي تم تخليد ذكراها في كافة أنحاء العالم ب اليوم العالمي لمناهضة العنصرية التي يحتفي بها العالم كل عام. خلال هذه المسيرة الاحتجاجية، اشتبكت الشرطة المسلحة مع متظاهرين سود الذين قاموا بالتظاهر أمام مقر الشرطة المحلي للتعبير عن غضبهم على “قانون تصاريح العبور” العنصري الذي فرض على المواطنين السود وحد من حرية حركتهم ويعتبر أحد القوانين القاسية والعنصرية في نظام الأبارتهايد. تلك المظاهرة السلمية والتي دعت اليها منظمة PAC سرعان ما تحولت الى مظاهرة عنيفة جدا. قامت الشرطة بقتل 69 شخصا وجرح الكثيرين. بعد هذه المجزرة قرر نظام الفصل العنصري الابارتهايد  إخراج حركة الكونغرس الأفريقي ANC  التي كانت قد خططت لعدة مسيرات احتجاجية خارج القانون، وقامت باعتقال قائد الحركة نلسون مانديلا.

في العام 1963 أعيد القبض على مانديلا ووجهت إليه تهمة التآمر ضد السلطات وتنظيم نشاط إرهابي. ألقى مانديلا خلال محاكمته عدة خطب هامة ضد سياسات الفصل العنصري، وكان أهمها خطبة بعنوان “أنا المتهم الأول” والتي كانت بمثابة خطاب الدفاع السياسي المؤثر ضد سياسات الفصل العنصري في داخل قاعة المحكمة التي حكمت عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة الخيانة. كان السؤال المركزي في خطابه هو هل العنف السياسي أمر شرعي؟ هل من الممكن استخدام العنف كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية؟ هذا السؤال مهم في سياقات عالمية كثيرة كوسيلة لتسوية النزاعات، وبالطبع ذات صلة بالصراع في منطقتنا. أثبتت التجربة الجنوب أفريقية انه يمكن تسوية نزاعات طال أمدها وصراعات دموية بطريقة ديمقراطية حقيقية. واصل مانديلا خلال السنوات ال 27 التي قضاها مانديلا في السجن، نضاله كزعيم لحركة المؤتمر الافريقي ورمزا للنضال ضد نظام الفصل العنصري

إن قوانين نظام الأبارتهايد ما هي إلا امتداد واستمرار مباشر وموسع لسياسات الاستعمار الأوروبية التي كانت متبعة في المستعمرات في إفريقيا وحول العالم، ولهذا فلم يكن هناك ردود فعل دولية منددة على نظام الفصل العنصري. مع نهاية عصر الاستعمار في الستينيات من القرن الماضي وإنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب الولايات المتحدة الأميركية وكنتيجة مباشرة لمجزرة شيفيلد وإدانتها عالميا في أروقة الأمم المتحدة، بدأ العالم يضيق بسياسة نظام الفصل العنصري وظهرت انتقادات مباشرة من الأسرة الدولية والتي ترجمت الى عقوبات اقتصادية، عقوبات على حظر تجارة الأسلحة ,إقصاء نظام الفصل العنصري من المؤسسات الدولية وحظر التظاهرات الثقافية والرياضية العالمية. في حين أن معظم الدول الديمقراطية في جميع أنحاء العالم قامت بفرض عقوبات على دولة جنوب افريقيا بسبب سياستها العنصرية، كانت إسرائيل واحدة من الدول القلائل التي حافظت على علاقات دبلوماسية وعلاقات تجارية مع دولة جنوب افريقيا. ان المفارقة الكبيرة تكمن في كون جزءا كبيرا من قادة الفصل العنصري في جنوب افريقيا كانوا قد دعموا ألمانيا النازية إبان الحكم النازي لألمانيا في فترة الحرب العالمية الثانية.

بسبب الضغوطات التي مورست من “داخل” جنوب افريقيا ومن الأسرة الدولية اثر كبير على  قرار استقالة رئيس دولة جنوب أفريقيا المدعو بوتا، وخلفه في الحكم زميله في الحزب فردريك ويليم دي كليرك، الذي فاجأ جنوب افريقيا والعالم في العام 1990 بعد أن أعلن واعترف بفشل سياسة الابارتهايد. كانت خطواته الأولى في هذا الاتجاه هي إلغاء قوانين الأبارتهايد وكان اول القوانين التي تم الغاؤها هو “قانون تسجيل السكان” والذي كان الأساس  القانوني للفصل العنصري بين المواطنين في جنوب افريقيا، وقام كذلك بالسماح لحركة الكونغرس الافريقي NAC  باستئناف نشاطها وعملها وأمر بإطلاق سراح مانديلا من السجن. كانت خطوات دي كليرك تعتبر ثورية بدرجة كبيرة، وعلامة فارقة في مستقبل جنوب افريقيا. بعد إطلاق سراح مانديلا بدأ الاثنان باتصالات ومحادثات سياسية من اجل إجراء أول انتخابات ديمقراطية في دولة جنوب إفريقيا والتي تشمل كافة المواطنين بما فيهم السود. حاز الزعيمان على جائزة نوبل للسلام بسبب نشاطهم المشترك لإحلال المساواة وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي في جنوب افريقيا.

في العام 1994 جرت أول انتخابات ديمقراطية في البلاد، وتم انتخاب مانديلا كرئيس لدولة جنوب افريقيا، وترأس حزب المؤتمر الوطني الافريقي. عندما وصل نظام الفصل العنصري القمعي الى نهايته، كانت جنوب افريقيا بلدا منقسم، وكان على الدولة ان تمر بعملية طويلة من إعادة التأهيل من آثار النظام التعسفي القمعي الذي حكم البلاد. كانت جنوب افريقيا بلدا استفاق من نظام عنصري استبدادي على نظام ديمقراطي بين ليلة وضحاها. كانت القضية الرئيسية التي واجهت الزعماء هي كيف يمكن إعادة بناء الأمة و رأب الصدوع بداخلها على ضوء تاريخ يعج بأهوال ومآسي؟ كيف يمكن توحيد الشعب والمضي قدما دون ان تصبح ضحية الأمس لقامعة ومستبدة لقامعي الأمس؟ كيف يمكن بناء بلد تساعد في شفاء مواطنيها من العنصرية؟ هذا عبارة عن نقاش تربوي بالغ الأهمية، ويمكن أن يجري بمستوى عام كلي ومستوى خاص جزئي. يوصى هنا بقراءة مقالة مارسيلو فيكسلير الصفّ كصورة مصغّرة للواقع- مواجه سلوكيات وتفوهات عنصرية في الصف الذي يقترح أدوات تربوية استدلالية لمواجهة تفوّهات وسلوكيات عنصرية.

أولى خطواته مانديلا كرئيس لجنوب افريقيا بسكانها البيض والسود على حد سواء، بتغيير الدستور وأنشأ لجان الحقيقة والمصالحة التي كانت تحقق في الظلم والاستبداد الذي مارسه النظام السابق، وكانت مهامها ايضا تتمركز في التوثيق، التعويض، وإعادة تأهيل الضحايا، وكذلك المساعدة في نقل هادئ ومنظم للسلطات من حكومة الأقلية للأكثرية. كل ذلك كان نابعا من الفهم ان المصالحة الوطنية لا يمكن ان تتم دون الكشف عن الحقيقة والاعتراف بتاريخ الدولة العنصري أولا وقبل كل شيء.

أهمية هذه الخطوة الثورية تكمن في ان هدف اللجنة كان يتمثل في التحقيق وإدانة ظلم نظام الفصل العنصري من جهة، وتوفير العفو والسماح لمرتكبي ومنفذي سياسة نظام الفصل العنصري، شرط ان يكون ما أدلوا به أمام هذه اللجان هو الحقيقة الكاملة حول تصرفات النظام السابق وان يأسفوا ويندموا على ما ارتكبوه من أفعال من جهة أخرى. ساهم الدمج بين هاتين الأليتين  إلى حد كبير في عملية المصالحة ومهد الطريق لتفادي الانتقام والعنف ضد المواطنين البيض في الدولة. كانت هناك حاجة ماسة للمصالحة من اجل سلام طويل الأمد ومستقر. هذه العملية ذات أهمية كبيرة عندما يتعلق الأمر بالصراع الداخلي في بلاد والتي يتوجب على مواطنيها أن يستمروا في العيش معا. وبالتالي، فالمصالحة ليست “امتيازا” وانما عنصر ضروري في بناء السلام والحياة المشتركة. فضل مانديلا ممارسات المصالحة على الانتقام حيث قال: “أن نكون أحرارا لا يعني فقط كسر  القيود، وإنما العيش بطريقة يسود فيها الاحترام وتعزيز الآخرين” .

بحث مانديلا عن حلول خلاقة من اجل توحيد أمة جنوب أفريقيا، وكان جزءا من هذه الحلول يكمن في الرياضة. وأدرك أن لديه فرصة ذهبية للتواصل مع المجموعة التي لم تنتخبه من الشعب، أو بالأحرى قد خافوا منه ومن وجوده على رأس السلطة. استغل القوة التي تمتلكها الرياضة في توحيد صفوف الأمة او تفريقها على حد سواء. كان البيض في جنوب إفريقيا يشجعون فريق الركبي سبرينج بوكس، وفي نظر السود كان هذا الفريق رمزا لنظام الفصل العنصري والأبارتهايد. فهم مانديلا أن الفرصة مواتية، وأدرك أن تجاهل الفريق المفضل لدى البيض سيزيد ويعيق الفجوة ويقود البلاد إلى نقطة اللا عودة. لهذا قام باستخدام فكرة كأس العالم، والتي لم تكن فقط مجرد لعبة، وانما حقيقة فقام مانديلا بتبني المجموعة الرياضية التي يكرهها السود، وهكذا اضطر الكثيرون من السود ان يسيروا خلف مانديلا بدعمهم للفريق الأبيض. لمجموعة الفعاليات حول استخدام الرياضة كأداة لمكافحة العنصرية اضغط هنا.

لا يسكننا الخوف العميق لأننا ضعفاء جدا، فأكبر مخاوفنا هو أننا أقوياء بدرجة كبيرة. انه الضوء، وليس الظلام ذلك الذي يخيفنا، ونحن نسأل أنفسنا، أي شيء يمكننا من ان نكون جميلين، رائعين، وموهوبين؟ والحقيقة هي ، بأي حق ان لا نكون؟ انتم أبناء الله. عندما تختارون خيارات صغيرة، فان خياراتكم لا تخدم العالم. لا يوجد هناك شيء مستنير بالتقليص والحد من شخصيتنا كي لا يشعر الآخرون بعدم الأمان. لقد ولدنا لتحقيق السحر الإلهي المتأصل فينا، وكل واحد فينا يحمل هذا السحر بداخله. وعندما نسمح للضوء الداخلي بالتألق فأننا نعطي دون وعي، الفرصة للآخرين للقيام بذات الأمر مثلنا. عندما نتحرر من مخاوفنا ، فإن وجودنا سيحرر الآخرين.

نلسون مانديلا 1918 – 2013

للنشر والطباعة:
  • Print
  • Facebook
  • Twitter
  • email

دليل:

التصنيفات: اقتراحات للنقاش تعقيباً على أحداث واقعية,التربية لمناهضة العنصرية,مواد أثراء عامة

אפשרות התגובות חסומה.