وصلتم إلى ملفّ المواد التربوية الخاصة بجمعية حقوق المواطن.
للوصول إلى الموقع الجديد للورشة، اضغطوا هنا >>

التربية المدنيّة في إسرائيل- ميخال براك- مجلة عدالة الألكترونية، العدد 18، أيلول 2005

آخر تحديث في تاريخ 16/08/2015

من المهمّ تربية الطلاب على مواجهة حالات الصراع، على تحليل حالات مركّبة، اتخاذ موقف ثابت والتعبير عنه.

ميخال براك[1] | مجلة عدالة الألكترونية، العدد 18، أيلول 2005
نُشر، مؤخّرًا، في صحيفة “هآرتس” خبر عن منهاج تعليميّ تجريبيّ للبجروت في موضوع التعدّدية الثقافية، أعدّته مديرية التربية والتعليم في القدس، وقد خُصّص لطلاب صفوف العاشر في المدارس الواقعة في أرجاء مدينة القدس، بما فيها المدارس اليهودية الرسمية، والرسميّة الدينية والمدارس العربية. كان من المفروض أن يدرس الطلاب المنهاج على امتداد ثلاث سنوات، في إطار 5 وحدات تعليميّة. جاء في الخبر المنشور في “هآرتس”، ضمن أشياء أخرى، أنّ قائمة المقالات التي يستند إليها هذا المنهاج تتضمّن مقالات لإدوارد سعيد وعزمي بشارة. وفي الأسبوع نفسه، وعلى أثر نشر الخبر، قرّرت وزيرة المعارف ورئيس السكرتارية التربوية في وزارة المعارف إلغاء المنهاج. أمّا سبب الإلغاء، وفق خبر آخر نُشر في صحيفة “هآرتس”، فقد كان المقالات التي ذُكرت أعلاه.

إنّ هذه الحادثة الهامشيّة تميّز التعامل مع التربية المدنيّة في إسرائيل. ينظر الى التربية المدنيّة في إسرائيل على أنها موضوعًا سياسيًّا محطّ اختلاف في الرأي. ويدّعي بدهتسور وبرليغر (2004، ص 73) أنّ هذه الرؤية تستند الى التناقض الجوهري في التربية المدنية:

“حقيقة وجود مصالح بارزة لكلّ التيّارات السياسية في إسرائيل في كلّ ما يتعلّق ببلورة ماهية التربية للمواطنة في إسرائيل، أدّت إلى ربط الصراع المضمونيّ المتعلّق بها بالصراع السياسي… حقيقة أنّ التربية للمواطنة (عمليًّا، عدم نجاعتها) تمسّ صلب النزاع السياسي داخل المجتمع الإسرائيلي، وكونها متأثّرة بالقيم الأساسية المتعلّقة ببلورة صورة إسرائيل وتؤثّر عليها، جعلتها أداةً مركزيةً في النزاع المتواصل بين تيّارين سياسيين، ينظران بشكل مختلف إلى الصورة المستقبلية للدولة”.

لا ينتهي الأمر عند حدّ اعتبار المؤسّسة التعليمية في إسرائيل التربيةَ المدنيّة موضوعًا سياسيًّا، بل إنّ المفهوم السائد هو أنها تنافس التربية اليهودية – القيميّة. يُمكن القول بصلافةٍ، إنّ التربية للهويّة المدنية تشكل خطرا على التربية للهوية القومية، الصهيونية أو اليهودية. لهذه الأسباب يعاني جهاز التعليم في إسرائيل نقصًا كبيرًا في مجال التربية المدنية.

أحد الأمثلة البارزة على ذلك أُثير مؤخّرًا خلال مناقشات لجنة دوفرات للإصلاح التعليميّ. ناقشت اللجنة مسألة امتحانات البجروت التي سيتمّ ضمها ضمن الإطار الإلزاميّ، وكذلك أيّ من هذه الامتحانات ستصبح مواضيع خاضعة لاختيار المدارس. عمومًا، يؤيّد تقرير لجنة دوفرات توسيع التعليم المدني في إسرائيل. إلاّ أنّه غاب عن الاقتراح الأوليّ موضوع المدنيات ضمن جملة المواضيع الإلزامية. وبعد نضال جماهيري فقط اتّخِذ قرار بإضافة امتحان البجروت في المدنيات إلى جملة المواضيع الإلزامية.

سأتناول في هذه المقالة بعضًا من مشاكل التربيّة المدنية في إسرائيل عمومًا، وفي المدارس العربية خصوصًا. وكما سأبيّن، لاحقًا، فإنّ الصعوبات الماثلة أمام طلاب ومعلّمي المدارس العربيّة في هذا المجال نابعة من تخوّف جهاز التّعليم من أن تقوم التربية المدنية بالمسّ بالتربية اليهودية – القومية، ومن هنا فهو يرى في الهوية المدنية المشتركة خطرًا على الهوية اليهودية – القومية.

التربية المدنيّة هي اسم شامل لمجموعة متنوّعة من البرامج والنشاطات التعليمية. من المتبع التمييز بين موضوع المدنيات، الذي تدرّس فيه المبادئ الأساسية للمواطنة في دولة ديمقراطية، وبين التربية المدنيّة التي تشمل، أيضًا، برامج تعليمية ونشاطات غير منهجية.

إنّ الهدف من التربية المدنية هو تأهيل مواطن الغد في دولة ديمقراطية. وهذا الهدف، كما أراه أنا، يشمل التربية على مجموعة من الصفات التي يجب على المواطن البالغ أن يتحلّى بها. إنه الشخص الذي يكون على معرفة ودراية بالمصطلحات الأساسية للنظام الديمقراطي، مهتمًّا بما يجري حوله وصاحب موقف، ذا شعور بالانتماء إلى الدولة والمجتمع، انتقاديًّا، واعيًا لقدرته على التأثير على الواقع وملمًّا بالأدوات المتاحة له للقيام بذلك. كمواطن، فهو ذو دافع ورغبة في التأثير، مستهلك معلومات انتقادي، قادر على فهم معنى الحياة وتعقيداتها في مجتمع ديمقراطيّ.

يبدو لي، أنه بالرغم من أنّ الخطاب المؤسساتي، كما ينعكس في مستندات رسمية تابعة لوزارة المعارف وفي المناهج التعليمية في المدنيات، يتبنّى تقريبا هذه القائمة من الأهداف، الا أن جهاز التعليم في إسرائيل لم يذوّتها. إنّ مفهوم التربية المدنية كمسألة سياسية، والذي يضعها محطّ نزاع مع التربية الصهيونية – القومية، لا يتوافق مع الأفكار التي بموجبها خُصّصت التربية المدنية لتأهيل مواطنين انتقاديين، ذوي وعي عام وذوي هوية مدنية ثابتة.

عمومًا، هناك توجّهان مركزيّان في ما يتعلّق بمضامين التربية المدنيّة: توجّه رسميّ وتوجّه جوهريّ. يُبرز التوجّه الرسميّ تعليم مبنى النظام الدمقراطيّ والتعرّف على مؤسّسات الحكم، صلاحيّاتها، نشاطها والعلاقات المتبادلة بينها. ويُبرز التوجّه الجوهريّ قيمًا ديمقراطية، ويتطرّق إلى حقوق الإنسان، إلى القيم الأخلاقيّة والاجتماعيّة وإلى المبنى الاجتماعيّ. طرأت بعض التغييرات والإصلاحات على منهاج تعليم المدنيّات في إسرائيل، وسنتطرق إليها لاحقًا بشكل مقتضب.

تعاني التربية المدنيّة منذ قيام دولة إسرائيل من مكانة متدنّية. يكمن لبّ المشكلة في قلّة الوقت المخصّص لتعليم موضوع المدنيّات. حيث يحظى الطالب الإسرائيلي في المعدّل بثلاث ساعات أسبوعية على امتداد سنة واحدة فقط من تعليم المدنيات في إطار دراسته لامتحان البجروت في المدنيات (وحدة تعليمية واحدة). تُجرى في السنوات الأخيرة تجربة في عدد محدود من المدارس في مجال تعليم المدنيات للبجروت بمستوًى أعلى (2 أو 5 وحدات تعليمية)، كما أنّ هناك منهاجًا تعليميًّا اختياريًّا من سنة واحدة في إطار المرحلة الإعدادية. ولما كان غالبية طلاب الثانويات يتعلمون المدنيات في السنة الدراسية التي يدرسون فيها لامتحان البجروت فقط (بخلاف جميع المواضيع التعليمية التي يتم تدريسها على مدى عدد من السنوات قبل سنة الدراسة للبجروت)، فإن مستويات تحصيل الطلاب في هذا الموضوع هي من المستويات المتدنية. حتى فترة متأخرة، عانى جهاز التعليم من مشكلة أخرى في هذا المجال، وهي غياب التأهيل العينيّ في تعليم المدنيات. لم تكن في المدارس ولا في دور المعلّمين مسارات خاصّة لتعليم المدنيات، وكان مجال تخصص غالبيّة المعلمين في هذا المجال إمّا التاريخ وإمّا علم الاجتماع. توجد اليوم بعض مسارت التخصّص في التربية المدنية، خصوصًا خلال الدراسة للقب الثاني.

في السنوات التي سبقت قيام الدولة وخلال العقود الأولى من قيامها، ركّزت التربية المدنية في إسرائيل على التربية الصهيونية لبناء الأمّة. لم يشتمل المنهاج التعليميّ على قيم عامّة أو ديمقراطية (إيخيلوف، 1993). تمّ سنة 1976 إدراج موضوع المدنيات، للمرة الأولى، كموضوع تعليم إلزاميّ منفصل في المدارس الثانوية اليهودية، وبعد ذلك ببضع سنوات في المدارس العربية، أيضًا. وقد اختلف منهاجا التعليم في كلّ من الوسطين التعليميين. عمومًا، يتميّز هذان المنهاجان باكتفائهما بمضامين رسمية، تشمل التطرّق إلى إجراءات ديمقراطية، والى مؤسسات الحكم، وإلى نشاطها وإلى العلاقات القائمة بينها.

إنّ التخوّف من الأخطار التي تهدّد الديمقراطية الإسرائيلية إثر مقتل ناشط السلام إميل غرينتسفايغ (أثناء مظاهرة ضد الحرب في لبنان عام 1983) ودخول حركة “كاخ” المتطرفة إلى الكنيست (1984)، أديّا إلى تقوية موضوع المدنيات في جهاز التعليم. فقد تمّ سنة 1985، على خلفية هذين الحدثين، إنشاء قسم الديمقراطية والتعايش في وزارة المعارف. كان هذا القسم مسؤولاً عن عدد من المناهج التّعليميّة، وكلّها غير منهجية. إلاّ أنّه تم تقليص مكانة القسم ونشاطاته تدريجيًّا، وفي مرحلة معيّنة تمّ إلحاقه بدائرة التربية القيميّة، التي كانت مسؤولة، أيضًا، عن تعليم اليهودية. وقد تمّ إغلاقه نهائيًّا عام 1999 (بدهتسور وبرليغر، 2004، ص 76).

في سنة 1995 قام وزير المعارف حينها، أمنون روبنشطاين، بتعيين لجنة برئاسة البروفيسور مردخاي كرمنيتسر، لتفحّص التربية المدنية في إسرائيل والتوصية بخطّة شاملة لترسيخ القيم الديمقراطية والمدنيّة. قامت اللجنة بتقديم تقرير مفصّل تضمّن توصيات للإصلاح الشامل في التربية المدنية عمومًا وفي تعليم المدنيات خصوصًا. وقد تمّ على أثر تقرير كرمنيتسر تغيير المنهاج التعليمي في المدنيات للبجروت. وابتداءً من سنة 2001 تمّ إدراج منهاج تعليميّ جديد، يستند إلى الكتاب التعليميّ “أن نكون مواطنين في إسرائيل: دولة يهودية وديمقراطية”. وهذا الكتاب مترجم إلى اللغة العربية، أيضًا. كما أقيمت وحدة مشتركة لتطبيق تقريري كرمنيتسر وشنهار (تقرير شنهار: “شعب وعالم – ثقافة يهودية في عالم متغيّر”، يتطرّق إلى التربية للثقافة والتراث اليهوديين). يذكر بدهتسور وبرليغر (2004) أنّ قسم الديمقراطية والتعايش ووحدة تطبيق تقرير كرمنيتسر على حدّ سواء، وجدا نفسيهما، في نهاية المطاف، خاضعين أو شريكين في وحدات، تعمل في مجال التربية اليهودية القيمية. ويدّعيان أنّ هذا الواقع ناتج عن مواقف وزراء المعارف المتعاقبين الذين رأوا أنّ التربية المدنيّة هي تربية ليبرالية يسارية، وأنّ التعامل معها يجب أن يكون مشروطًا بتعزيز مكانة التربية اليهودية القيميّة.

عنوان الكتاب التعليمي الجديد “أن نكون مواطنين في إسرائيل: دولة يهودية وديمقراطية”، يدلّ على توجّهه: المواطنة في دولة يهودية وديمقراطية. يقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء: (1) ما هي الدولة اليهودية؟ (2) ما هي الديمقراطية؟ (3) نظام الحكم والسياسة في إسرائيل. وعلى أثر توصيات لجنة كرمنيتسر، تتطرّق مضامين التعليم، على حدّ سواء، إلى الجانب الرسمي للمواطنة- مؤسسات الحكم ونشاطاتها- والى قيم الديمقراطية، حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، حدود الديمقراطية والانشقاقات في المجتمع الإسرائيلي (بما فيها الانشقاق القومي – بين الغالبية اليهودية والأقلية العربية؛ الانشقاق الديني – بين اليهود المتدينين واليهود غير المتدينين؛ الانشقاق الطائفي – بين الأشكناز والشرقيين؛ الانشقاق الفكري – السياسي – بين اليمين واليسار والانشقاق الناتج عن المكانة الاجتماعيّة – الاقتصاديّة – بين الأغنياء والفقراء).

تستنتج بينسون (2005) أنّ المنهاج التعليمي الجديد في المدنيّات لم ينجح في تحقيق هدفه في أن يصبح أداة لتحصيل المواطنة المشتركة لمواطني إسرائيل كافة. وتدّعي أنّ تعريف دولة إسرائيل في كتاب التدريس، هو دولة يهودية – قومية. وإنّ التطرّق إلى تعريفات أخرى للدولة (مثلاً: دولة جميع مواطنيها) معروضة كتعريفات ثانوية. رغم أن الكتاب يعرض عددًا من التوجّهات المحتمَلة لتعريف دولة إسرائيل، “… أسلوب صيغة هذا النقاش يشهد على أنّ الكتاب، في قناع تبنّي مفهوم يؤمن بتعدّد الآراء وعرض مختلف للآراء القائمة في المجتمع الإسرائيليّ، يتّخذ موقفًا واضحًا في مسألة التعريف المرغوب فيه لدولة إسرائيل. وعن طريق عرض خطّ خيالي متواصل، يميّز الكتاب بين التوجّهات المرغوب فيها – التوجهات الصهيونية- الواقعة في مركز الخطّ الخيالي نفسه، وبين التوجّهات التي ترفض تعريف دولة إسرائيل كيهودية أو ديمقراطيّة، وعليه فهي موجودة على هامش الخطّ الخيالي المتواصل – في الطرف” (بينسون، 2005، ص 15).

المنهاج التعليميّ الجديد في المدنيات هو تحسين ملموس في مضامين تعليم المدنيات، إلاّ أن تطبيقه لم يرفق بزيادة في عدد السّاعات التعليمية أو بزيادة مناهج جديدة في مجال التربية المدنية. وعدا ذلك، فإنّ هذا المنهاج التعليميّ، أيضًا، لا يلبّي أهداف التربية المدنيّة التي ذكرتها بالتفصيل في بداية المقالة، ولا يطبّق مجمل التوصيات الواردة في تقرير كرمنيتسر. ليس هذا هو المنهاج الذي يمكنه أن يقوم بتربية الطلاب ليكونوا مواطنين انتقاديين. منطلقه هو إثنوقراطي (تعريف اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية)، وعليه فهو لا يربّي على هوية مدنية مشتركة، كما أنه لا يواجه بشكل حقيقي الصراع القائم بين دولة القوميّة اليهودية والقيم الديمقراطية.

وفي النهاية، إنّ التربية المدنية في إسرائيل عمومًا تعاني من شحّ الساعات التعليمية والبرامج غير المنهجية الرسمية. وينظر الى التربية المدنيّة في جهاز التعليم الإسرائيلي على أنها تنافس التربية اليهودية- الصهيونية. أما الأقسام والهيئات التي أقيمت لتحسين هذا المجال فقد وجدت نفسها، في آخر المطاف، تابعة إلى أقسام تعمل في مجال التربية القيميّة – اليهوديّة. وعلى الرغم من أنّ المنهاج التعليميّ الجديد في المدنيّات هو في تحسّن ملموس من ناحية المضامين مقارنةً بالمناهج التي كانت موجودة في الماضي، إلا أنّه منهاج متسم بالمركزية الإثنية ويتمحور حول إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، ولا يحثّ على التفكير النقديّ ومناقشة الإشكال الجوهري القائم في دولة يهودية وديمقراطية. هذا نابع من مفهوم التربية المدنية على أنها مجال سياسيّ ينافس التربية للقيم الصهيونية والقومية.

يواجه الطلاب والمعلّمون في المدارس العربيّة صعوباتٍ خاصة، خصوصًا في مجال التربية المدنيّة. كما ذُكر سالفًا، فإنّ منهاج تعليم المدنيات لا يشجّع على التربية على هوية مدنية مشتركة لمواطني إسرائيل كافة. إنّ التعامل مع الأقلية العربية في المنهاج التعليمي الجديد هو كالتّعامل مع أقليّة قوميّة، وثمّة تطرّق أيضًا إلى التوتّرات النّابعة من وجود أقليّة قوميّة فلسطينية في دولة قومية يهوديّة. ومع ذلك، تدّعي بينسون (2005) أنّه لا يتمّ استيعاب هذه الصعوبات بأنّها تحدّ يواجه الديمقراطيّة والمواطنة الإسرائيليتين، إنّما هي تحدّ خاصّ بالأقليّة الفلسطينيّة.

إنّ غياب المواجهة الحقيقيّة لمشاكل الديمقراطيّة الاثنيّة، وخصوصًا في التّعامل مع الأقليّات ذات الهويّة الإثنيّة المختلفة، يضع معلّمي المدنيّات في الوسط العربيّ في مأزق: عليهم تعليم مبادئ الديمقراطيّة لطلاب لا تتوافق ظروف حياتهم مع هذه المبادئ. لا يتيح المنهاج للمعلّمين العرب فرصة حقيقية ليناقشوا مع طلابهم الصراعات الناتجة عن الصدامات بين يهودية الدولة ومواطنتهم فيها.

في حلقة دراسية خاصة باللغة العربية، يتألّف المشاركون فيها من معلمي مدنيات في المدارس العربية، يناقش المشاركون التحدّيات والصعوبات التي ينطوي عليها تعليم المدنيات في المدارس العربية. تُقام الحلقة الدراسية في إطار مركز جيلو للتربية المدنية والديمقراطية في قسم العلوم السياسيّة في الجامعة العبرية بالقدس. يدرس المشاركون فيها لنيل اللقب الثاني في العلوم السياسية في فرع “التربية المدنية والديمقراطية”. كان موجّه الحلقة الدراسية في سنة نشاطها الأولى الدكتور عصام أبو ريا، ويديرها منذ سنتين الدكتور أمل جمّال.

توفّر الحلقة الدراسية للطلاب إطارا توجيهيا لاستيضاح قضايا تتعلّق بالمواطنة الديمقراطية وبالتربية المدنية، ولمناقشة الصعوبات والتحدّيات الكامنة في تعليم المدنيات وترسيخ قيم الديمقراطية في جهاز التعليم العربي. السؤال الأساسيّ في الحلقة الدراسية هو: هل من الممكن، وكيف من الممكن، تعليم المدنيات وترسيخ قيم الديمقراطية لدى الطلاب العرب، في ضوء واقعهم المَعِيش، من خلال المواجهة الصادقة للتناقضات القائمة بين العبر العامّة، التطلّعات القومية، الواقع اليوميّ والعلاقات مع مؤسسات الحكم.

وصفت إحدى طالبات اللقب الثاني والمشاركة في الحلقة الدراسية، وهي معلّمة في مدرسة عربية في إسرائيل، تجربتها في تعليم المدنيات، على النحو التالي (أبو ريا، 2004):

“المشكلة التي أواجهها دائمًا هي الرفض الحادّ [من جانب الطلاب] لتعريف نظام الحكم في إسرائيل بالديمقراطي. أحاول أن أشرح للطلاب أنه بالرغم من كون الديمقراطية في إسرائيل محدودة (ويكون ذلك عمومًا بادّعاءات أمن الدولة)، لكن في قضايا كثيرة هناك ديمقراطية، كما في مجال المساواة أمام القانون. الطلاب يدعون أنّ الديمقراطية في إسرائيل محدودة وفق مصالح نظام الحكم، مثلاً، طالما تُذكر أحداث أكتوبر 2000 عندما يطرح الحقّ في التظاهر. بعد أحداث أكتوبر 2000 سألني أحد الطلاب: لماذا تصرّفت الشرطة بهذا الشكل مع المواطنين العرب. لماذا لم تتصرّف بهذا الشكل، في أي مرّة في السابق، مع المواطنين اليهود. وافقت الطالب الرأي. حقًّا، تتصرّف الدولة، أحيانًا، بأسلوب يخالف الديمقراطية وتمارس العنف ضدّ المواطنين، وخصوصًا المواطنين العرب. في رأيي، لا تعرف الدولة، أحيانًا، كيف تتصرّف وهي تسلك بهذا الشكل نتيجة خوفها”.

تتميّز الحياة في مجتمع ديمقراطي، على وجه العموم، وفي دولة قومية كدولة إسرائيل، على وجه الخصوص، بكثرة المآزق وحالات الصراع. في رأيي، من المهمّ تربية الطلاب على مواجهة حالات الصراع، على تحليل حالات مركّبة، اتخاذ موقف ثابت والتعبير عنه. يجب تربيتهم على اتخاذ موقف انتقاديّ مبرر إزاء القرارات السياسية. من اللائق أن ننمّي لدى طلاب إسرائيل، اليهود والعرب، هوية مدنية وديمقراطية.

تناولت في معرض مقالي هذا إشكالية جهاز التعليم في إسرائيل في مجال التربية المدنية، الذي لا يقوم بتربية الطلاب على مواجهة المآزق وحالات الصراع. وكان ادّعائي هو أنّ هذا الوضع نابع من اعتبار التربية المدنيّة بمثابة منافس للتربية للهوية الصهيونية – اليهودية. وتزداد حدّة هذه المشاكل كلّما تطرّقنا إلى المدارس العربية: المنهاج التعليمي لا يربّي على هوية مدنية مشتركة ولا يواجه مشاكل الأقلية العربية في دولة يهودية وديمقراطية بشكل حقيقيّ.
طلاب إسرائيل، اليهود والعرب، لا يحظون بالتأهيل اللائق كمواطني الغد.

المصادر:
[1] الكاتبة هي مركّزة مناهج في مركز جيلو للتربية المدنية والديمقراطية في الجامعة العبرية بالقدس. عنوان موقع المركز على شبكة الإنترنت:http://gilocenter.mscc.huji.ac.il.
1) أبو ريا عصام، “أن تكون مواطنا في اسرائيل: مميزات، تحديات وعقبات”، مشروع متانا: عدة لتعليم المدنيات (مركز جيلو للتربية المدنية والديموقراطية، الجامعة العبرية، 2004) (بالعبرية).
2) ايخيلوف أوريت، التربية المدنية في بيئة متغيرة (تل أبيب: سفريات هبوعليم، 1993) (بالعبرية).
3) حرومتشنكو يولي، “طلاب علمانيون، متدينون وعرب سيتعلمون معا عزمي بشارة وادوارد سعيد”، هآرتس، 31.7.2005.
4) حرومتشنكو يولي، “الغاء منهاج تعليمي للبجروت في التعددية الثقافية”، هآرتس، 3.8.2005.
5) بدهتسور عامي وبرليغر أرييه، “التناقض الجوهري في التربية المدنية في اسرائيل”، مغاموت 43 (1)، شباط 2004، ص 64-83 (بالعبرية).
6) بينسون هللي، “بين دولة يهودية وديموقراطية: تناقضات وتوترات في منهاج تعليم المدنيات”، بوليتيكا 14، صيف 2005، ص 9-24 (بالعبرية).

للنشر والطباعة:
  • Print
  • Facebook
  • Twitter
  • email

التصنيفات: المدنيات,مقالات وأوراق موقف في تعليم المدنيات

אפשרות התגובות חסומה.