وصلتم إلى ملفّ المواد التربوية الخاصة بجمعية حقوق المواطن.
للوصول إلى الموقع الجديد للورشة، اضغطوا هنا >>

دروس أكتوبر وأزمة التربية في البلاد بقلم شرف حسان

آخر تحديث في تاريخ 30/09/2017

دروس أكتوبر وأزمة التربية في البلاد

بقلم: شرف حسان *
للتنويه – المقال نشر قبل ثلاث سنوات وللاسف ممكن تبنيه ايضاً اليوم.

عشر سنوات مرت على هبة أكتوبر (هبة القدس والأقصى) وما زال جهاز التربية الرسمي في اسرائيل يتجاهل هذا الحدث الهام. هذا التجاهل ينبع من أزمة كبيرة تضرب بهذا الجهاز وتمنع منه القيام بدور رائد في بناء الإنسان وتؤدي الى خسارة التعاطي مع موضوع أساس ممكن ان يكون مادة مميزة للتربية لقيم إنسانية ولتطوير التفكير النقدي عند الطلاب وتنمية روح الفعالية والوعي السياسي فيهم. الحديث هنا عن أزمة عميقة وبنيوية تبدأ من المستوى السياسي في الدولة عموماً وفي وزارة التعليم خصوصاً وتنتهي بالمؤسسات التربوية والمدارس اليهودية والعربية.

أحداث أكتوبر وقيمتها التربوية

بإمكان المربي الناجح أن يحول كل حدث أياً كان إلى مادة تربوية مميزة، يناقشها مع طلابه ويصل من خلالها إلى الأسئلة الجوهرية المعقدة التي شغلت فلاسفة العصور جميعاً ويربطها بالواقع السياسي والاجتماعي والثقافي ويحللها من خلال نظريات وحضارات متنوعة ووجهات نظر مختلفة ويعود بها إلى الموضوع الذي يدرسه في غرفة الصف. فكم بالحري بحدث مثل هبة أكتوبر التي عصفت بنا قبل عشر سنوات فقط وهي مرتبطة بوجداننا وبكل جوانب الحياة والمجتمع والدولة. لا اقصد هنا التربية التي هدفها أن يعرف الطلاب ما جرى وان يتذكروا ويحيوا ذكرى الشهداء الثلاثة عشر وجميع الضحايا وإنما تشريح الحدث وتحليله ومناقشة جميع أبعادة من مستوى المواطن البسيط الذي خرج للتظاهر والى الأسئلة المتعلقة بالدولة ونظامها، سياستها تجاه المواطنين العرب، أجهزتها المختلفة، الاحتلال وحقوق الشعب الفلسطيني، حقوق المواطنين العرب في اسرئيل وما الى ذلك.

في اكتوبر 2000 انتهكت جميع حقوق الإنسان وداست الدولة على جميع المبادئ والقيم الديمقراطية الجوهرية منها والشكلية. وفي أكتوبر طغت العنصرية والكراهية ووحشية الشرطة ورجال حرس الحدود. وفي أكتوبر ظهرت على الملأ عورات الصحافة والقضاء. وفي اكتوبر انفجر احتقان وخيبة أمل متواصلة للمواطنين العرب منذ النكبة وربما قبل ذلك بسنين. وفي أكتوبر ظهرت أزمة مجتمعنا العربي حين التقى المتظاهر الفلسطيني والشرطي الفلسطيني في نفس الساحة ولكن كل في اتجاه معاكس. وفي أكتوبر شهدنا بعض مظاهر الفوضى والمزايدات السلبية والمتاجرة البائسة. وفي أكتوبر رأينا جيلاً غاضباً مفعم بالطاقة والغضب والتضحية والتمسك بالبقاء والتغيير. وفي أكتوبر رأينا إصرار الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وصموده رغم الية البطش والحصار. وفي أكتوبر شهدنا عصابات المتطرفين اليهود المسلحين واعتداءاتهم وشاهدنا الديمقراطيين اليهود وتضامنهم مع المواطنين العرب وانطلاق لحركات تعايش واحتجاج يهودية عربية جديدة. وفي أكتوبر طلت علينا الرجعية العربية بخيباتها المتوقعة وزدنا ثقة بالنشاطات التضامنية في بقاع مختلفة من الارض. وفي اكتوبر لملمنا جراحنا ونهضنا لمواصلة مسيرة الكرامة والصمود والتطور في وطننا الذي لا وطن لنا سواه وشرعت السلطة باستنتاج العبر لتطوير الياتها لمواصلة سياسة الاحتلال والاضطهاد والتمييز.

وأتساءل هنا، كيف يمكن لاي مربي في البلاد، عربياً كان أم يهودياً من أن يدع يوم مثل الذكرى السنوية لهذه الأحداث أن تمر دون التطرق اليها في الصف والتحدث حولها مع طلابيه. فاذا كان هدف التربية والتعليم هو تنمية التفكير والقدرات ومنح قيم إنسانية وعلاقة المواطن بالدولة والتعرف على أحداث تاريخية تبلور حياتنا ومستقبلنا كعرب وكيهود في البلاد والتعرف على “الأخر”، فلا أرى أهم من هذه المناسبة كموضوع تربوي من الدرجة الاولى لمناقشته في جميع المؤسسات التربوية في البلاد. مناقشة أحداث اكتوبر في المدارس العربية هو مناسبة لاحياء الذكرى وتعريف الاجيال الصاعدة على ايام هامة من تاريخ جماهيرنا العربية في اسرائيل ولمناقشة اسئلة جوهرية حول حقوق الانسان والديمقراطية والعلاقة ما بين المواطن والدولة والمجتمع. وفي المدارس اليهودية فرصة للتعرف على الجماهير العربية واوضاعها وروايتها. أعتقد انه بالامكان الاستناد على مواد عديدة حول الموضوع ومنها تقرير لجنة أور والمواد الصحفية المختلفة التي تناولت الموضوع. هذا الواقع المشوه الذي يتعلم به الطالب العربي عن تاريخ الشعب اليهودي كل شيء تقريباً ولا يعرف الطالب اليهودي عن العربي سوى الأفكار المسبقة والتاريخ من وجهة النظر الصهيونية فقط، تعمق البعد وتزيد من الكراهية وتمنع أي إمكانية للحديث عن حياة مشتركة. على واضعي السياسية التربوي في البلاد التذكر بأنه لا يمكن التربية للديمقراطية وحقوق انسان في واقع البلاد بدون الاعتراف ب”الأخر”. الحقيقة المره اليوم هي إننا لم نصل بعد حتى لمرحلة “التعرف على الأخر” وعلى روايته ولا يوجد حديث إطلاقاً عن اعتراف.

أين المبادرة؟

وأتساءل أيضاً، ما الذي يمنع المعلم العادي البسيط من المبادرة الى مناقشة قضية أكتوبر وأي قضية أخرى مع طلابه. صحيح أن المؤسسة لا تشجع مثل هذا الحوار التربوي ولكن ما من أحد يمنع أي مربي من طرح أي قضية ومناقشتها تربوياً. ليس هذا فقط بل ان أهداف التعليم الرسمي في اسرائيل كما عبر عنها في قانون التعليم الالزامي تؤكد بشكل واضح على واجب التربية لحقوق الانسان والتسامح وتنمية التفكير النقدي والتعرف على “الأخر”. أحد أهداف التعليم كما وردت في صيغة القانون من العام 2000 هي ” معرفة لغة وحضارة وتاريخ وتراث والتقاليد الخاصة بالأقلية العربية  وباقي المجموعات في دولة اسرائيل، والاعتراف بالحقوق المتساوية لكافة مواطني اسرائيل”. أضف الى ذلك فقد تبنت وزارة المعارف عدة تقارير تحث المعلم على التربية للقيم والتعبير عن موقفه. لا أدعي هنا بان الدنيا بخير والديمقراطية في جهاز التربية الاسرائيلي في القمة ولكن أدعي ان هناك حيز معين يتيح التعاطي مع قضايا مركبة وحساسة اذا كان الامر يتماشى مع أهداف التعليم الرسمي وهو كذلك. الحقيقة هي ان أحد مظاهر الازمة في التربية تكمن في الفجوة الكبيرة بين السياسة التربوية الفعلية وما بين أهداف التعليم الرسمي في البلاد. رغم النقد الكبير لقانون التعليم الرسمي ولأهداف التعليم حسب هذا القانون التي لا تلبي احتياجات المواطنين العرب ورغم محدوديات هذا القانون، الا انه يتيح حيزاً للتعددية وللديمقراطية اكبر بكثير مما هو عليه الوضع في الواقع. والسؤال المطروح هنا، لماذا لا نستغل هذا الحيز المتاح؟

انا لا أعمم هنا ولا اتهم جميع المعلمين بعدم المبادرة، بل اعتقد ان هناك تقصير وهناك حاجة للمزيد والمزيد من المبادرة. فهذه اذا دعوة للمبادرة للتربية للقيم الانسانية الهادفة والذكرى السنوية لأكتوبر هي مناسبة وفرصة للقيام بذلك ولكنها ليست المناسبة الوحيدة فقط. فالتربية لهذه القيم هي عملية مستمرة ويجب ان لا تقتصر على لمناسبات.

لنتذكر المربين الأبطال

التاريخ لم ينس المربين الذين تعاملوا مع التعليم كرسالة وخصوصاً ألائك الذين دفعوا الثمن لقاء رسالتهم التربية في الفصل من التعليم والنفي والسجن أو أي عقاب أخر. هذا حدث عند جميع شعوب الأرض وحدث عندنا أيضاَ. معلمون عرباً ويهوداً لم يتنازلوا عن مبادئهم الإنسانية والديمقراطية. هذه مناسبة لنتذكر هؤلاء المعلمين المخلصين الذين دفعوا الثمن غالياً في فترة الحكم العسكري وفي الحقب المظلمة ولغاية اليوم، ولم يتنازلوا عن رسالتهم التربوية الخالدة.

* كاتب المقال هو مدير قسم التربية في جمعية حقوق المواطن في اسرائيل.

للنشر والطباعة:
  • Print
  • Facebook
  • Twitter
  • email

دليل:,

التصنيفات: כללי,خلفية للمربي,مقالات رأي وأوراق موقف

أضف تعليق

עליך להיות מחובר למערכת כדי להגיב.