وصلتم إلى ملفّ المواد التربوية الخاصة بجمعية حقوق المواطن.
للوصول إلى الموقع الجديد للورشة، اضغطوا هنا >>

المتفقون على الصمت! بقلم خلود إدريس

آخر تحديث في تاريخ 01/02/2018

بقلم خلود إدريس

سمعنا وشاهدنا جميعًا حادثة طعن الطالبة الجامعية بآلة حادة قرب الجامعة الأميركية في جنين، بعد أن تم بث الحادثة بشكل مباشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي. لقد أثارت حادثة الطعن تساؤلات كثيرة حول الناس التي وقفت متفرجة ولم تتدخل، ما الذي دفع الناس للتصرف بهذه الطريقة؟ لماذا لم تتقدّم الطالبات أو الطلاب أو المارة الذين رأوا الاعتداء لمساعدة الضحية؟ لماذا بقيت وحدها في الدقائق الاولى تحاول الهروب تارة والاستنجاد تارة أخرى، دون أن يتقدم شخص لمساعدتها! إلى حين تدخل إحدى الطالبات؟ ممّ خاف الحاضرون؟ ما هي القوة التي قد تمنعنا من التدخل عندما نرى شخصاً آخر في ضائقة؟ هل هو الخوف من دفع ثمن تدخلنا؟

هذه الحادثة أعادت لذاكرتي أقوالا سمعناها من اهلنا ونربي عليها أبناءنا وبناتناـ، فكم من مرّة نبهت ابنائي ومنعتهم من التدخل في صراعات لا شأن لهم بها سواء في الصف او الحارة، كم مرة كنا شاهدين على جدال عنيف كلاميا او جسديا او عنصريا ولم نقل ونفعل شيئا، هل كنا نعي احتمال أن نكون نحن الضحية التالية ومع ذلك خفنا من الإقدام على أية خطوة لوقف العنف؟ كبرنا وكبر خوفنا من التدخل في صراعات لا تخصنا!

أذكر أني عندما بدأت توجيه ومرافقة طواقم المعلمين وصلت إحدى المدرس ورأيت مدير المدرسة يعنف طالبا في الساحة، توجهت مسرعة نحو المدير المُعنّف، محاولة لفت انتباهه لوجودي وما أن رآني حتى كف يده عن الطالب وطلب مني انتظاره في غرفته. انتظرت ما يقارب العشر دقائق اذكر جيدا احساسي بالخجل من نفسي ومن مجموعة المعلمين التي سوف ألتقيها بعد أقل من نصف ساعة، ماذا عليّ ان افعل في هذه الحالة؟ هل أكمل اللقاء كما خططت له ام اتحدث عمّا رأيت؟ لماذا وقف الطلاب والمعلمون متفرجين؟ لماذا لم يفعلوا شيئًا؟ كيف يمكنني تمرير استكمال عن سيرورة دمقرطة المدرسة فيما يتفق المدير والمعلمين والطلاب بالصمت عن العنف؟
منذ حادثة طعن الطالبة في جنين واسئلة كثيرة تدور في راسي حول سبل مواجهة حالات العنف والعنصرية في المدرسة او في الحارة من يخلّصنا من هذه الافة ؟ هل كثرة الشهود/ المتقرجين مؤشرا على ضمان الأمن الشخصي لنا؟ هل كثرة الناس يمكنها ان تؤثر بشكل سلبي وتؤدي الى ردة فعل عكسية حيث لا يتدخل المارّة بل يقفون موقف المتفرج؟ ربما يبدو هذا أمراً مجنوناً لكن الحقيقة هي ان الناس يقدمون يد المساعدة لشخص في محنة إذا كان عدد المتجمهرين /المارة قليل، لماذا؟ هذه الظاهرة تسمى “تأثير من يقف جانباً” الظاهرة تعتمد على ان وجود عدد كبير من الناس يمنع أو يعيق او يقلل من امكانية التدخل لصالح الضحية او التدخل لصالح المصلحة العامة او المجتمعية.
اذا باعتقادي ان الأسباب لعدم تدخل المتفرجين في حالة الطالبة الجامعية هي الخوف من الأذى سواء كان جسديا او معنويا (الإهانة) وذلك لأنهم يعتقدون بأن شخصا آخر اقوى منهم سيقوم بتقديم المساعدة المطلوبة. يتّضح من الأبحاث أنه في بعض الحالات، عند وجود شخص واحد في البيئة المحيطة بالشخص الذي يشعر بالضائقة، هناك احتمال أكبر بأن يحصل على المساعدة، بعكس وجوده بين الكثير من الناس . فعندما نكون مجموعة متفرجة، نحن نميل للإفتراض بأن هناك شخصاً آخر سيقوم بتقديم المساعدة بشكل أفضل مما نستطيع، شرطي أو طبيب أو حتى مدير سيسيطر على زمام الأمور. السؤال الذي يراودنا عند مشاهدة حدث ما هو : هل فعلا باستطاعتنا مساعدة الضحية؟ هل باستطاعتنا التدخل وحل الامر بشكل صحيح؟ ماذا سيحدث إذا تدخلنا ولم نستطع معالجة الامر، هل نحرج انفسنا في العلن؟ هل سندفع ثمن تدخلنا؟ وهل الافتراض بان احتمال التدخل للمساعدة ولعون من المارة/ المتفرجين/ إذا احتجنا ذلك ليس له علاقة في كثرة الناس المتجمهرة ولا بمدى اضاءة الشارع ولا هدوء المكان. إذا ماذا نفعل في حال كنّا نحن الضحية؟! كيف نستنجد للمساعدة؟  الأبحاث اكدت ان في هذه الحالات يجب علينا أن نطلب المساعدة من شخص معين من المتفرجين بشكل شخصي لان ذلك يكسر تأثير فرضية من يقف جانباً و”ان هنالك شخص اقوى منّا يمكنه المساعدة”.
الأشخاص الذين شاهدوا الحادث في جنين ولم يكن لديهم رد فعل او فضلوا التصوير ليسوا بأشخاص سيئين، بل هم فتيات خائفات على سلامتهن، في ظل واقع تقتل به النساء دون تردد وتتربى الفتيات في مجتمع تسيطر علية مقولة “مدخلتكيش” او “امشي الحيط الحيط وقولي يا ربي السترة”. ان الهروب للتصوير مبرر ومنطقي فهو الهروب من الواقع العنيف الذي نعيشه وهو أيضا اثبات على اننا فقدنا الامل بمن حولنا وهو خوفنا من مجابهة الواقع وإيماننا ان الأصدقاء الافتراضين يمكنهم المساعدة في وقت الضيق, فنلتجئ إليهم نبوح لهم اسرارنا، ونناقش همومنا الشخصية والاجتماعية والوطنية ونكون نحن دون خوف.
اما الطالبة التي تدخلت ودافعت عن الفتاة في جنين تملك ثقة عالية بالنفس وحصانه مجتمعية كبيرة، والأهم انها تومن بلا شك بـ “أخوية النساء” في المصير والتجارب. نحن نتدخل عندما نشعر اننا نتضامن ونتعاطف مع الضحية وعندما نكون محصنون واقوياء بما يكفي لمواجهة الواقع ومستعدين لدفع ثمن تدخلنا وتحملنا المسؤولية.

انا أؤمن أن الحل لمواجهة ظواهر كهذه في المجتمع او المدرسة هو بقدرتنا على التربية لبناء التضامن والتحصين المجتمعي، التربية على التضامن هي قدرتنا على بناء حوار مجتمعي يتيح لنا ان لا نتفق وان ننتقد وان نحترم رغم الاختلاف. امتحاننا إذا هو بقدرتنا كمجتمع على تعزيز الشعور بالحصانة، والتعاطف وحماية المستضعف بيننا, وبناء التضامن والوعي الكافي لمواجهة المفهوم ضمنًا داخل مجتمعنا والثورة عليه من خلال الحوار الذي لا يتجاهل الصراع بل يعالجه ويدرك اننا كأقلية أصلانية مستهدفة لا نملك الامتياز في الوقوف جانبا.

كاتبة المقال هي مركزة التربية لحقوق الإنسان للمجتمع العربي في جمعية حقوق المواطن.

.

للنشر والطباعة:
  • Print
  • Facebook
  • Twitter
  • email

التصنيفات: כללי,مقالات رأي وأوراق موقف,مكتبتنا التربوية

אפשרות התגובות חסומה.