وصلتم إلى ملفّ المواد التربوية الخاصة بجمعية حقوق المواطن.
للوصول إلى الموقع الجديد للورشة، اضغطوا هنا >>

أي الطوارئ تنتظرنا ما بعد الكورونا؟

آخر تحديث في تاريخ 22/04/2020

مقال رأي بقلم د. يوسف شحادة-  مدرس مدنيات ومرشد تعليمي في برنامج Mteach بكلية اورانيم.

بخلاف تسخير بعض الأنظمة الحاكمة تدابير الطوارئ لتضييق الخناق ولقمع الحريات العامة والفردية بحجة ردء المخاطر الصحية، ربما هي واحدة من المرات النادرة التي تضطر فيها سلطات شرعية في دول ديمقراطية “معتبرة” فرض حالة الطوارئ في مرحلة حرجة، استدعت اتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة أزمة خطيرة تعرّض حياة البشر لخطر جسيم. رغم الجدل حول الضوابط والتوازنات في مدى الاستخدام المتناسب لتدابير الطوارئ في “الخطاب الديمقراطي” والتنديد بإجراءات مواجهتها من قبل البعض وتفهم البعض الاخر لضرورة هذه الاجراءات، هذه الدول والتي ترسّخت فيها القيم الديمقراطية واحترام حقوق الانسان قلما تواجه معارضة شديدة من قبل هيئات حقوقية أو معارضة سياسية لاستعمالها، مع ذلك، يُثير إعلان حالة الطوارئ المخاوف بشأن الحريات والديمقراطية نظرًا للصلاحيات الاستثنائية التي يمنحها للشرطة وأجهزة الأمن. الدول الديمقراطية التي تريد لمجتمعاتها الحياة الأفضل، تدرك أن هذه التدابير مؤقتة وتتجنب التمييز وخطاب الكراهية.
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يجيز لدولة أن تعلن حالة الطوارئ وفق اعتبارات موضوعية تتناسب مع التدابير المتخذة ويحدد الشرط الأساس لفرض حالات الطوارئ بوجود خطر استثنائي يهدد حياة الأمة، بشرط ألا تكون التدابير المتخذة متعارضة مع التزامات الدولة المعنية بموجب القانون الدولي، وعدم انطواء هذه التدابير على نزعة تمييزية مبررها الوحيد هو العـرق أو اللـون أو الجـنس أو اللغـة أو الـدين أو الأصـل الاجتماعي. في مثل هذه الظروف الاستثنائية يمكن إضفاء صفة المشروعية على بعض القرارات الإدارية غير المشروعة ولكن المشروطة. في معظم الدول الديمقراطية تسري حالة الطوارئ لفترة محدودة، ويجوز تمديدها بموافقة البرلمان وهي قائمة في الأساس لخدمة غاية معروفة ومعلن عنها. رغم الإشكاليات في فرضها، من الممكن التعايش معها لفترة محدودة إذا ما خدمت فعلا الغاية التي وضعت من اجلها.
مقابل الدول المعروفة بانها ديمقراطية، تتبنى إسرائيل منذ إعلان قيام الدولة “أنظمة الطوارئ الانتدابية” وفي خطوات لاحقة تمّ ادخال بنود على قانونيّ الأساس “الكنسيت” و”الحكومة” لتخويلهما بشرعنة ممارسة أنظمة الطوارئ. سعت الحكومات الإسرائيلية المتتابعة إلى استخدام حالات الطوارئ في حالات متكررة وغير استثنائية، بحجة حماية أمن الدولة أو أمن الجمهور (مثلا، الاعتقالات الإدارية دون توجيه تهمة لفلسطينيين من الداخل) وفي حالات معينة ضمان تزويد الخدمات والسلع الضرورية (مثلا، حرب الخليج 1991) وكذريعة لتبرير تكريس الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث يتم احتجاز الاف الفلسطينيين بدون محاكم وكحجز اداري. لكن بخلاف الانظمة الديمقراطية التي تفضل اصدار أنظمة طوارئ عن طريق سن تشريع عادي يمر بجميع مراحل الاشراف العام البرلماني والقضائي، فان إسرائيل تعيش “حالة طوارئ” متواصلة منذ قيامها وحتى اليوم وتُمَدد هذه الحالة كل سنة من قبل الكنيست بصورة أوتوماتيكية. الإلتماسات التي قُدِمت لمحكمة العدل العليا لإصدار قرار بوقف التمديد الاوتوماتيكي المتكرر لأنظمة الطوارئ قد رُدّت لاعتبارات مختلفة. وبهذا، تساهم المحكمة العليا في تطبيع أنظمة الطوارئ التي هي في الأساس غير ديمقراطية.
بغياب إجراء شرعي لتمديد حالة الطوارئ والذي وفقه تتقدم به الحكومة للكنيست، ويمر بداية في لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، التي تصادق عليه وتنقله للهيئة العامة، سارعت الحكومة الى المصادقة اعتباطا على تخويل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تسخير قدراتها التكنولوجية عبْرَ استعمال الوسائل الإلكترونية والرقمية وأجهزة الاستشعار في تعقب مرضى كورونا وعائلاتهم، وذلك تحت ذريعة الإجراءات الوقائية لمنع تفشي الفيروس في إسرائيل. إعلان حالة الطوارئ واستفراد الحكومة الإسرائيلية في فرضها دون اللجوء للكنيست يثير المخاوف بشأن الحريات والديمقراطية نظرا للصلاحيات الاستثنائية التي تمنحها للشرطة وأجهزة الأمن. ورغمَ الادّعاءات والتطمينات بأنّ تدابير الطوارئ ستقتصر على مكافحة الفيروس، هناك تخوف من أن يتسلّل استخدامها إلى مجالاتٍ أخرى ليس لها علاقةٌ بالصحة. اذ أن احتمال وقوع تجاوزات في عمليات جهاز المخابرات والشرطة لملاحقة ومراقبة نشطاء سياسيين ليس بغريب عنّا.
في أي دولة ديمقراطية اجراءات الطوارئ يجب أن تكون محددة بوقت ويجب ان تكون متعلقة بأشراف ومراقبة البرلمان، ويجب ان تكون متناسبة والهدف الذي أُعلِنَت من اجله. رئيس الحكومة يتجاهل كل الإجراءات التشريعية للمصادقة على تشريع قوانين لتعامل الدولة مع فيروس الكورونا بالتفافه على الكنيست. بالرغم من ان الكنيست هي السلطة التشريعية في إسرائيل، نلاحظ ان الحكومة تستغل الأوضاع التي ألت اليها الدولة وتفرض مزيدا من الأنظمة والمراسيم باسم حماية الجمهور من الخطر الذي يهدده دون مصادقة الكنيست ودون سن قوانين وفقا للإجراءات المقبولة.
في غياب القوانين المدنية التي تنظم عمل السلطات في حالة الطوارئ، يتمّ الاعتماد على قانون “أساس الحكومة” حيث تجيز بعض بنوده للحكومة أن تفرض أنظمة في حالة الطوارئ (المادة 38 والمادة 39) للدفاع عن الدولة وعن مواطنيها اثناء الخطر وبمقدور نظام الطوارئ تغيير أي قانون أو تعليق مفعوله مؤقتا (البند ج من المادة 39). بشرط المصادقة عليها من الحكومة وأن تطرح الانظمة على لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست عقب إصدارها (البند أ من المادة 39). المنطق من وراء ذلك، بأن هذه الأنظمة غير الديمقراطية بطبيعتها تدعو الحاجة لمراقبتها من قبل السلطة التشريعية حتى لا يتمّ استغلالها بشكل سيئ من قبل الحكومة. كذلك، نصت بنود القانون على أن ليس بمقدور هذه الأنظمة منع اللجوء الى المحاكم المخولة بإلغائها من قِبَلْ من تمّ المسّ به (البند د من المادة 39) بهدف مراقبتها من قبل السلطة القضائية.
منذ بداية الأزمة لاحظنا أن رئيس الحكومة يستغل الأوضاع السياسية كأداة لتجاوز مبدأ التوازن والكبح والتصرف بخلاف سيادة القانون. بحجة التعجيل في تطبيق الأنظمة للدفاع عن الجمهور سعى رئيس الحكومة لاتخاذ عدة إجراءات، مثل إقامة “لجنة وزارية لشؤون الكورونا” بهدف تجاوز الحكومة التي من المفروض أن تصادق على الأنظمة، مما دفع المستشار القضائي مندلبليت ان يطلب منه العمل بالضبط وفقا لتوجيهات قانون “أساس الحكومة”، أي التصرف وفق اجراء ديمقراطيّ عن طريق الحكومة كوحدة واحدة. بعد ملاحظات عدة لم تُسْتَجب، عاد مندلبليت وأكد مطالبته الحكومة ورئيسها ان يقوموا باستعمال أنظمة الطوارئ بما يتماهى مع القانون، أي اتّباع المسار الديمقراطي عن طريق تعزيز التشريع الأساسي من خلال المسار التقليدي للكنيست في المصادقة على أنظمة الطوارئ وليس عن طريق مسار فرض أنظمة طوارئ التي ادخلتها الحكومة، أي ان تبقى الغلبة في المصادقة عليها للكنيست.
لا جدل بأن الأنظمة التي تمّ فرضها تتعارض والتشريع الأساسي الذي يهدف للمحافظة على حقوق الانسان والمواطن وخاصة في الحالة التي نحن بصددها، الحقّ في الكرامة وبالذات الخصوصية، ففي ظروف عادية مراقبة أشخاص من قبل المخابرات منوطة بتصريح من قاض، الظروف الراهنة الاستثنائية تسمح للأسف باستعمال مفرط للمراقبة وخروقات جسيمة لحقوق الانسان. من نافلة القول إن استعمال هذه الأنظمة دون اللجوء الى الكنيست سيمنح الشرطة وجهاز المخابرات حرية غير معقولة لاستعمالها بانعدام الاشراف والمراقبة ديمقراطيا. التخوف هو ان تستغل هذه الأنظمة بشكل تعسفي وأن تتحول هذه الإجراءات الاستثنائية المؤقتة إلى دائمة. يمكننا، بالطبع، أن نتفهم الإجراء المؤقت الذي يتم اتخاذه أثناء حالة الطوارئ، وزواله حالما ينتهي السبب، لكن التدابير المؤقتة في إسرائيل تتجاوز المؤقت، خاصة وأن هناك دائماً حالة طوارئ مزمنة.
حتى في وضع استثنائيّ لا داعي لمراقبة الناس وفق أنظمة مراقبة من ميراث الأنظمة الشمولية، فالانصياع للتعليمات والقيود الاحترازية كتقليص التجمعات غير الضرورية، الحجر الصحي والتزام البيت مثلا، من المفروض أن تعكس موضع الثقة بين المواطنين والسلطة، خاصة إذا كانت السلطة شفافة في تعاملها معهم. حين يُطلب منا كمواطنين “ابقوا في بيوتكم” وفي الوقت نفسه تقوم شخصيات في الدولة بتجاوز الأنظمة (نتنياهو يشارك نجله عشاء عيد الفصح، رئيس الدولة يستضيف ابنته في مقره ووزير الصحة لا يلتزم بالتعليمات التي كان قد أصدرها)، كيف للمواطن أن يثق بمن يدير الازمة؟ الغالبية العظمى من المواطنين ذوتت سريعا هذه القيود من منطلق حماية حياتها وليس من منطلق الخوف من العقاب. لذا، فمجموعة الإجراءات التكنولوجية الجديدة اذا لم تحظ بثقة المواطنين ستؤدي لعواقب غير مسبوقة في التعامل ما بين السلطة والمواطن.
حسب رأيي، ان التداعيات السلبية لهذه التدابير والإجراءات تثير المخاوف، خاصة في فترة ما بعد الكورونا، بحيث الاستمرار في تطبيقها لفترة طويلة سيعطي شرعية لنظام مراقبة جديد ومرعب. ربما تُسْتَغل، على سبيل المثال لمراقبة تحركات أي شخص وحتى مراقبة آرائه السياسية عن طريق معرفة مع من يجتمع وبما يشارك وما هي ميوله وبالتالي ممارسة الضغوط والتأثير عليه في مجالات أخرى ليس لها علاقة بالأمن. أو ليس هذا ما يثير شكوكنا نحن الفلسطينيين لنحذر منه، كل الوقت؟ ليس صدفة أن يحذر ويحث خبراء امميون الدول في معرض مجابهتها لفيروس الكورونا من تجنب استغلال تدابير الطوارئ لقمع حقوق الانسان، وخاصة استهداف مجموعات أو أقليات أو افراد معينين تحت غطاء حماية الصحة. فالمقرر الخاص بشأن وضع المدافعين عن حقوق الإنسان، ميشال فروست، يوضح أن “القيود المتخذة لمواجهة الفيروس يجب أن تكون دوافعها أهدافا مشروعة من أجل الصحة العامة ولا يجب أن تستخدم ببساطة لسحق المعارضة”.

للنشر والطباعة:
  • Print
  • Facebook
  • Twitter
  • email

التصنيفات: اقتراحات للنقاش تعقيباً على أحداث واقعية,اقتراحات للنقاش تعقيباً على أحداث واقعية عنصرية,المدنيات,كورونا وحقوق,مقالات رأي وأوراق موقف,مقالات وأوراق موقف في تعليم المدنيات,مكتبتنا التربوية

אפשרות התגובות חסומה.