بقلم شرف حسان
في البحث الذي أجرته لجنة التربية البرلمانية والذي شهد حادثة قيام النائبة أنستاسيا ميخائيلي برش النائب غالب مجادلة بكوب الماء، وقع أمر في غاية الأهمية تم تهميشه في ظل الحدث الدرامي المذكور. فقد أوضحت وزارة التعليم وأكدت أن مدرسة عرعرة الثانوية التي شاركت في مسيرة حقوق الإنسان الشهر الفائت لم تقم بعمل سيء بتاتا. بل تصرفت في واقع الأمر وفق سياسة وزارة التعليم التي تشجع التربية على الديمقراطية والمشاركة المدنية ووفق ما يقضي به مرسوم المدير العام. ومع هذا يراودنا الشك في أن إجراءات الاستيضاح التي اعتُمدت بحق المدرسة في أعقاب مشاركتها في المسيرة، من شأنها أن تردع مدارس أخرى من المشاركة في نشاطات مشابهة في المستقبل خشية التورط في إجراءات كهذه.
أفلحت هذه القضية في طرح أسئلة هامة على جدول الأعمال بالنسبة لماهية التربية المدنية في دولة إسرائيل، وبالنسبة لتعامل وزارة التعليم مع جهاز التعليم العربي. لا شك في أنه، وفق المعايير الكامنة في صلب موضوع المدنيات وأهداف التعليم الرسمي في الدولة، وكذلك وفق الخطوط العامة لشخصية المربي المثالي كما هو منصوص عليها في مؤسسات تأهيل المعلمين، فإن معلمي مدرسة عرعرة الثانوية يستحقون شهادة تقدير على المبادرة وعلى القدوة الشخصية والتفكير الإبداعي والتطوع لمرافقة الطلبة خلال يوم عطلتهم الأسبوعي. لكن الأهم من هذا وذاك أنهم يستحقونها لإصرارهم على التربية على مبادئ الديمقراطية في واقع صعب جدا يعيشه هؤلاء المربون وطلابهم كجزء من كونهم أقلية في الدولة. ينبغي أن يكون هذا النهج التربوي للمعلمين من عرعرة نموذجا يُحتذى وقدوة للمربين اليهود والعرب المهتمين بتطوير تربية لقيم الديمقراطية والمشاركة المواطنية ولمضامين نقدية مختلفة، خاصة في ظلّ انتشار أفكار عنصرية وغير ديمقراطية بين أبناء الشبيبة في إسرائيل.
إحدى الإشكاليات التي نواجهها في إعداد المعلمين العرب العاملين في التربية المدنية كامنة في التربية للديمقراطية في ظل سياسات الاضطهاد والتمييز ضد المواطنين العرب التي شهدت مؤخرا دفعة قوية في ضوء موجة التشريعات المناهضة للديمقراطية الموجهة في غالبيتها ضدهم. فكثيراً ما يصطدم المعلمون بأقوال طلابهم مثل: “عن أي ديمقراطية تتحدثون”، و”توقفوا عن الحديث عن المساواة، عن حقوق الأقلية ومبادئ ديمقراطية لأن الأمر صحيح بالنسبة لليهود فقط”. أحيانا يردّ المعلمون المحبطون هم أنفسهم بأقوال مثل: “هذه المادة مهمة للامتحان”. هذا الخطاب السطحي يتجاهل أهمية التربية لمفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان في نضال جماهيرنا العربية في اسرائيل، وعلى صعيد نضالنا الداخلي من اجل مجتمع عربي مبني علي قيم حقوق الانسان.
التربية للديمقراطية في تراجع
إن الشعور بفقدان الأمل الآخذ بالتبلور بين المواطنين العرب بشكل عام وبين المربين بشكل خاص بشأن احتمال حصول تغيير في الواقع الصعب الذي يعيشونه وبشأن توسيع مساحة الحريات، يقود إلى اليأس والانغلاق وإلى اتساع الهوة بين المواطنين العرب واليهود. مقابل هذا التيار من المربين المتشائمين فاقدي الأمل هناك تيار آخر من المربين غير مستعد للتنازل بسهولة عن التربية للديمقراطية والحياة المشتركة على أساس المساواة والاحترام. تيار لم يتنازل عن الإيمان بالنضال الديمقراطي لتغيير واقع المواطنين العرب ومكانتهم في الدولة. هؤلاء منخرطون في عملية تربوية متفائلة وشجاعة تمنح الأمل للطلبة وترسم طريقا من الفاعلية المدنية وحلم الحياة المشتركة في واقع ديمقراطي. وقد اختار هؤلاء المربون أن يسبحوا احياناً، وربما غالباً ضد التيار في مجتمعهم العربي وفي المجتمع اليهودي، أيضا. إن الإجراءات التي فُتحت ضد المدرسة، وإن انتهت بقبول موقف المدرسة، تشكل مثالا للصعوبات التي يواجهها مربون من هذا التيار.
لا شك في أن مدرسة عرعرة الثانوية نجحت في فرض تحدٍ على جهاز التعليم في إسرائيل وأن تبين التناقضات والمصاعب التي تتصل بالتربية المدنية عموما وفي المجتمع العربي بشكل خاص. رسميا، تشجع الدولة التربية للديمقراطية والمشاركة المواطنية والتفكير النقدي. إلا أن الوضع في الواقع مختلف تماما: فالقيم الديمقراطية الموجودة ضمن إجماع كل مجتمع ديمقراطي، تصنف في إسرائيل على أنها مواقف “يسارية”، وتتعرض لهجوم دائم من جانب جهات عنصرية ومناهضة للديمقراطية، وتشكل هدفا لحملات نزع شرعية عن مضامين كهذه في التربية. حملات موجهة، أيضا، ضد الكثير من المعلمين العرب واليهود الذين يتعاطون مع مضامين ديمقراطية بهدف إسكاتهم أو اضطرارهم للخضوع للفكر المهيمن في المجتمع.
ومن هنا ليس صدفة أن القيم الديمقراطية في تراجع بين أوساط الشبيبة اليهودية كما يتضح من استطلاعات رأي نشرت في السنوات الأخيرة. إن تغيير هذه المواقف لدى أبناء الشبيبة يستدعي من مسؤولي وزارة التربية والتعليم موقفا واضحا: مناصرة التربية للديمقراطية والحياة المشتركة والوقوف ضد حملة نزع الشرعية المدمرة لأسس التربية في البلاد. إضافة إلى ذلك، على الوزارة أن تغير من سياستها تجاه جهاز التعليم العربي بحيث تتعاون مع قيادة الجماهير العربية لتطوير مضامين تربوية تستجيب لاحتياجات وتحديات تربوية خاصة بالمجتمع العربي وبالطلبة في هذا الجهاز. عملية كهذه مع مُخرجاتها ينبغي أن تكون محررة من تلك الاعتبارات الغريبة التي تتحكم بتوجهات الوزارة راهنا.
– كاتب المقال هو مدير قسم التربية في جمعية حقوق المواطن. المقال الأصلي نشر بالعبرية.