كيف نتعامل مع المواقف والمشاعر المتطرّفة لدي التلاميذ في أعقاب الحرب؟ كيف يبدو مثل هذا الدرس؟ هل لدينا القدرة على التأثير في الخطاب العنصريّ الصاخب؟ ومن أين نبدأ كلّ شيء؟
يقدّم مارسيلو فاكسلر، المستشار التربويّ في قسم التربية والتعليم، آليّات تعليميّة- تربويّة للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها في طريقة للتعامل الناجع مع آثار الحرب على مواقف التلاميذ ومشاعرهم. لقراءة ورقة التوجيهات المنهجيّة الكاملة بصيغة pdf انقروا هنا.
مقدمة:
أدّت الحرب على غزّة إلى ارتفاع في مستوى العنصريّة والتعصّب، إسكات الآراء والخوف لدى عامّة الناس.
كما ورد في المقال “الصفّ كصورة مصغّر للواقع“، يعتبر الصفّ مرآة لواقع المجتمع. وعليه فمن الواضح أنّه مع العودة إلى المدرسة، سيرغب التلاميذ في الحديث عن تجاربهم خلال فصل الصيف بسبب الحرب. إنّهم يريدون آذانًا صاغية، وسيرغبون في مشاركة مشاعرهم وأفكارهم. دور المعلّم هو تمكينهم من ذلك، حتّى لو كان من الصعب جدًّا احتواء تصريحات قاسية تجاه الآخر.
في أوقات الأزمات، نميل بحكم العادة إلى التراجع نحو القوالب الأوّليّة التي تشكّل آليّة دفاعيّة في مواجهة الفوضى. منظومة القوالب الثنويّة المتناقضة (الجيّد والسيّئ، معي وضدّي وما شابه)، تعود لتشكّل تفسيرًا معقولًا في مواجهة حالات الخوف والعجز. لذلك، حتّى لو طوّرنا مع مرور الوقت نظرة أكثر تعقيدًا (مركبة) تجاه الواقع من حولنا، ونحن قادرون على أن ننظر إلى الآخر بعدّة طرق ومن زوايا مختلفة، نعود في أوقات الأزمات إلى المربّع الأوّل مرّة أخرى.
إذا كان هذه العمليّة تحدث وتتطوّر لدى الكبار، فكم بالحريّ عند الأطفال، خاصّة في أوقات الأزمات، عندما يقلّد الأطفال سلوك الكبار.
هذه هي المعطيات الأوّليّة في كلّ حوار مع التلاميذ في الصفّ. من المهمّ أن نأخذ بعين الاعتبار وجود فجوة في السلوك على خلفيّة العمر والسياق. يكون الأطفال الأصغر سنًّا أكثر ميلًا لإطلاق العنان لمشاعرهم، قبل أن يصوغوها. في المقابل، المراهقون هم أكثر ميلًا لإيجاد علاقة مباشرة بين المشاعر والتصريحات التي يصوغونها بشكل أو بآخر. ومع ذلك، في أيّ حال عمليّة الحوار يمكن أن تبدأ عندما يشعر الأطفال بأنّ المعلّم هو بمثابة آذانٍ صاغية بالنسبة لهم.
” الصفّ كصورة مصغّر للواقع”، فإنّ العلاقة بين العاطفة والإدراك هي علاقة دائمة. وبالتالي، فإنّه عند الأزمات، وفي كثير من الحالات تتغلّب العاطفة على العقل. إنّنا نؤمن بأنّ المنطق هو ما يحدد لنا المواقف، ونتجاهل المشاعر التي تحرّكه. وعليه كلّ تقصّي للأمور أو التحقّق منها، لا يمكنه أن يبدأ من خلال استيضاح المواقف، الحقائق والجوانب العقليّة فيه، بل من خلال المشاعر التي تنتابنا.
هذا لا يعني بالطبع أنّ الوقائع والجوانب العقلية غير مهمّة. ومع ذلك، خلال الأزمات يواجه الأشخاص ذوي الصلة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، صعوبة كبيرة في أخذ هذه الدوافع بعين الاعتبار، وهم يميلون إلى تقديم تفسيرات عقليّة تعتمد على حقائق للنظر في هذه الدوافع، وأنّها تميل إلى إعطاء تفسير منطقيّ يعتمد على الحقائق المزعومة.
مشاعر المعلّم:
الخطوة الأولى نحو حوار توضيحيّ حول الحرب هي اختبار ذاتي للمعلّم / ة.
- ما هي مخاوفه / ها قبيل الحوار مع التلاميذ؟
- هل يستطيع المعلّم أن يحتوي كلّ تصريح، بما في ذلك التصريحات المنطوية على الكراهية والعنصريّة وتمنّي الموت للغير؟
- هل سيكون قادرًا على الإصغاء دون أن يؤدّي سلوكه الجسديّ واللفظيّ إلى الاشمئزاز، رغم ما قيل من قبل الأطفال؟
- هل يمكن إبداء التعاطف حتّى في الظروف القاسية؟
- كيف نجري نقاشًا تنعكس من خلاله جميع الأصوات في الصفّ، وليس فقط صوت المجموعة الأكثر تحمّسًا، القادرة على إسكات الأصوات الأخرى غير الممتثلة والأكثر تعقيدًا؟
من المهمّ جدًّا أن يتصوّر المعلّم نفسه في عمليّة انعكاس، قبل لقائه مع الأطفال ما الذي يخشاه؟ وما هي التصريحات التي يشعر أنّها قد تخلّ بتوازنه؟ من المهم جدًّا أن يبحث عن زملاء يمكنه مشاركتهم في مخاوفه.
سنقدّم في القسم التالي اقتراحات للتعامل مع مشاعر المعلّم الذي يجري مثل هذا النقاش. المنهجيّة التي نقترحها هنا تسمح عند الأزمات بإدارة حوار منظم في الصفوف، حوار من شأنه أن يفتح الأبواب للحوار الجوهريّ الأعمق واستيضاح المواقف.
منهج لفعّاليّة أوّليّة في الصفّ مع بداية العام الدراسيّ.
من المهمّ أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ هذه الفعّاليّة منوطة بالمعرفة المسبقة من جانب المعلّم بالتلاميذ في الصفّ. لا يمكن أن يتوفّر حوار من هذا النوع إلّا إذا كانت هنالك ثقة بين المعلّم وتلاميذه.
حوار منظّم (مبني):
- للحدّ قدر الإمكان من ثورة المشاعر التي قد تنشأ عن وجود مثل هذا الحوار في الصفّ، من المهمّ جدًّا أن يتمّ مسبقًا تحديد قواعد صارمة للسلوك أثناء الحوار. على الجميع المحافظة على حوار منظّم على النحو الذي يحدّده المعلّم.
- يتمّ الحوار في جولتين. في الجولة الأولى يعبّر كلّ تلميذ عن مشاعره وآرائه حول ما حدث في الصيف. يتحدّث كلّ بدوره دون أن يقاطعه أحد. الوحيد الذي يدير النقاش هو المعلّم نفسه. يشارك كلّ تلميذ في الحوار. هذا يعني أنّه سيكون هناك من لا يريدون التحدّث، والذين سوف يقولون إنّهم يوافقون على ما قاله المشاركون الآخرون. ومع ذلك، ليس هذا هو الحوار. الحوار يعني أن يصف كلّ شخص مشاعره ومواقفه بالصيغة التي يراها مناسبة له.
- في الجولة الأولى على المعلّم الانتباه إلى السلوك اللفظيّ والبدنيّ للتلاميذ. من يخشى الحديث، لماذا هو خائف… من المهمّ أن يوضح المعلّم لهذا التلميذ أنّ كلّ ما يقوله هو له، وأنّه لا يحقّ لأحد أن يُسكته. من المرجح جدًّا أنّ الأصوات الأكثر تعقيدًا سوف تضيع، خاصّة إذا كان هنالك ميل إلى التطرّف في المواقف. لمحاولة تجنّب مثل هذه الحالات، على المعلّم أن يعود ويكرّر ضرورة الاستماع للجميع. على المعلّم أن يوضّح أيضًا أنّ لكلّ تلميذ في الصفّ الحقّ في أن يعبّر عن نفسه، وفي الوقت نفسه، ينبغي أن يعطي وبشكل متعمّد مساحة أكبر للأصوات المركّبة.
- عندما يستخدم التلاميذ تعبيرات قاسية، مثل: (“أنا أكره … أتمنّى أن يموت الجميع … لا يوجد ما نتحدّث عنه… وما شابه)، على المعلّم أن يعيد التلميذ إلى عواطفه. على سبيل المثال جمل مثل” أنا أفهم ما تقوله وأنا بالتأكيد استمع إليك، ولكن بماذا تشعر؟ هل تشعر بالكراهية؟ من أين تظنّ أنّها تأتي؟ هل تشعر بشعور آخر غير الكراهية والغضب؟ “. صحيح أنّه بإمكان الطفل أن يقول إنّه لا يعرف؛ وهنا على المعلّم مساعدته في تحديد حالته على أساس المشاعر: عجز، قلق، خوف حقيقيّ مُثبت، عدم القدرة على تنظيم العواطف في وجه ما يُنشر في وسائل الإعلام وغيرها. في حال أنّ هذه الآليات لم تُجدِ نفعًا، على المعلّم تقديم بعض الخيارات التي تمثّل الطريقة التي يعبّر فيها عن نفسه وأن يتحدّث – على سبيل المثال- عمّا يشعر به هو نفسه. بهذه الطريقة يحصل التلاميذ على شرعيّة لمشاعرهم من خلال النموذج الذي قدّمه المعلّم. ينبغي أن تكون التفسيرات التي يقدمها المعلّم تفسيرات تمنح الشرعيّة للربط بين الكراهية والغضب والعجز والإحباط والقلق وما شابه.
- أمّا في الجولة الثانية فبإمكان كلّ تلميذ أن يعلّق على ما قاله تلميذ آخر إذا رغب في ذلك. القواعد هي ذاتها. حتّى إن كان التلميذ الذي يوجّه إليه الحديث لا يُبدي ردّ فعل. على المعلّم أن يوضّح أنّ القواعد تنبع من السيرورة التعليميّة في الصفّ-كيفية التعامل مع التوتّر والأزمات، والاستمرار في الحفاظ على حقّ الجميع في التعبير عن آرائهم.
- على المعلّم أن يحافظ على نفس النوع من الحوار كما كان في الجولة الأولى. يجب أن تُعاد كلّ مقولة تتضمّن الكراهية أو الغضب إلى قائلها وبصيغة سؤال: أنت تردّ الآن على زميلك. هل هذا يعني أنك لا تستطيع فهم مشاعره؟ ألا توجد لديك مشاعر مماثلة؟
- يجب الانتباه إلى أنّ الجولة الثانية لا يقصد بها استيفاء شروط نادي النقاش. نتّفق أو نختلف، ليست ملائمة لهذا النوع من الحوار. يجب أن يعبّر هذا الأمر عمّا يشعر به كلّ فرد تجاه زميله بعد أن سمع أقواله.
- إذا كانت هنالك أجواء صعبة جدًّا في الصفّ بعد الجولة الأولى، أجواء تعكس قضايا أعمق من الصراعات الموجودة بالفعل داخل الصفّ، يُفضّل عد القيام بالجولة الثانية. الاعتبارات هي:1. لا يوجد الوقت الكافي لإتمام الجولة الثانية بأكملها؛ 2. التوتّر الموجود في الصفّ شديد جدًّا، وينبغي تهدئة الأجواء حتّى المرّة القادمة.
إنهاء الحوار:
- يقوم المعلّم بالتلخيص في نهاية الحوار. يقول لجميع تلاميذ الصف بماذا يشعر، ويؤكّد أهمّيّة التعبير عن المشاعر والتحقّق من المشاعر قبل المواقف وما السبب في أهمّية ذلك.
- يسأل المعلّم التلاميذ كيف يريدون مواصلة النقاش. أيّ الأمور هم معنيّون بالحديث عنها. (يرجى الانتباه إلى أنّ هذه ليست مسألة تتعلّق بالسيرورة نفسها، بل إنّ السيرورة تتمّ بالشكل الذي حدّده المعلّم لأنّ هذا من صلاحيّاته التي لا يمكن التشكيك بها في حالات الأزمات).
- بعد أن يستمع المعلّم إلى بعض الاقتراحات، ويمتدح الصفّ على مشاركته، إذا كان هناك تلاميذ شعروا بالخوف ولم يتحدّثوا، يقول إنّه يُبدي أسفه لهذا الأمر الذي يعبّر عن القلق “ممّا سيقوله الآخرون” ويؤكّد أن هذا يمسّ بكلّ حوار.
- على المعلّم أيضًا أن يعبّر مشاعره. للتعبير بصوته عن الأشياء التي كان يخشاها. من المهمّ جدًّا ألّا يترك المعلّم عند التلاميذ شعورًا بأنّه محايد عاطفيًّا.
- من المهمّ جدًّا توفير الوقت للتلاميذ لتذويت السيرورة التي مرّوا بها. كما أنّه من المهمّ أيضًا أن يفحص المعلّم مع معلّمين آخرين هل سمعوا كيف يشعرون بعد المحادثة.
للإجمال:
- قدرتنا على تعليم التلاميذ العيش مع الصراعات وأن يكونوا مدركين للواقع المعقد، تمرّ من خلال التحقّق من السياقات الشعوريّة والإدراكيّة التي على ضوئها نتّخذ المواقف.
- إنّ الحرب، مثل أيّ أزمة أخرى، تؤدّي إلى تطرّف في المواقف. هذه هي اللحظات التي تنعكس فيها العنصريّة بكلّ بشاعتها من خلال ازدياد التطرّف.
- إنّ ردّ فعلنا الطبيعيّ على الكراهية المتدفّقة، إذا كنّا لا نفكّر بنفس الطريقة، أو لا نؤمن بذلك، أو أنّنا لا يمكن أن نتعاطف مع ذلك، هو أن نبقى صامتين. هذه هي قوّة المواقف العدائيّة، إنّها تسكتنا وتجعلنا عاجزين. إنّ قدرة المواقف المتطرّفة على “غسل” الوعي العامّ، تكمن في القدرة على إسكات أيّ مفهوم معقّد آخر. في هذه الحالة يكون الصمت والسكوت موافقة، قسريّة لا طوعيّة.
- المعرفة العلنيّة والسريّة بوجود أشخاص لا يتبنّون المواقف نفسها، هي التي قد تعزّزنا. نحن لسنا وحدنا، ويجب أن نعمل معًا.