يختلف بنو البشر بعضهم عن بعض في وجهات نظرهم ومعتقداتهم وأذواقهم. أناس مختلفون يحبون أمورا مختلفة، يلبسون بشكل مختلف، يعبّرون عن أنفسهم بشكل مختلف ويؤمنون بأديان مختلفة. وفي ضوء هذا التنوّع، هناك حاجة أساسية لدى كل إنسان أن يعبّر بشكل حرّ عن أفضلياته ومعتقداته. وفي أيامنا هذه يُشكّل التعبير من خلال الشّبكة العنكبوتيّة التمثيل الأفضل لحرية التعبير.
تُعنى الكثير من الأبحاث اليوم بتأثير الإعلام الجديدـ الشبكات شبكات التّواصل الاجتماعيّ ـ على بني البشر، ليس فقط على الصّعيد السياسي، وإنما على الصّعيد الشّخصيّ والاجتماعيّ، أيضا. قد يكون لهذا التأثير انعكاسه في السلوكيات والمواقف المحددة ـ التطرّف في كثير من الحالات ـ تستقطب ردودا متنوّعة من جانب الجمهور (الافتراضي والحقيقي): التشجيع والتأييد، النقد الحاد، الاعتداء الافتراضي وأحيانا الجسدي.
إن الوضع الاجتماعي ـ السياسي المركّب في إسرائيل يطرح أهمية التربية على حرية التعبير. فمن جهة، هناك كمّ هائل من الأقوال العنصرية في الشبكة التي تحظى مع الأسف الشّديد بالتشجيع الكبير بـِ (إعجاب)، وبالمشاركة (مثال على ذلك الصورة التي نشرتها المجنّدة عدن ليفي على صفحة الفيسبوك خاصتها). من جهة ثانية، تُفرض عقوبات قاسية على مَن يُعبّر عن مواقف لا تنسجم مع الرأي العام الإسرائيلي (تقديم لائحة اتهام ضد أنس خطيب في أعقاب منشوره الخاصّ على صفحته الشّخصيّة على الفيسبوك).
الانشغال اليومي لأبناء الشبيبة بالشبكات الاجتماعية, يبني واقعا جديدا يُغذيه أبناء الشبيبة أنفسهم ويتغذون منه. فهم، كأي شخص آخر، يتمتعون بمدى يكاد يكون مطلقا[1] وبدون حدود من حرية التعبير يُتيح لهم نشر أقوال وصور كما يرتؤون دون أي قيود أو رقابة. مثل هذا الأمر الذي ينطوي على الكثير من التمكين لأبناء الشبيبة في مجال التعبير عن أنفسهم، إلا أنه ينطوي، أيضا، على خطر حقيقي وإمكانية التدهور النفسي وأحيانا إلى ارتكاب مخالفات قانونية.
الحيّز الشبكي حساس بشكل خاص كونه ذا منالية ومكشوفا، والمواد المنشورة فيه يُمكن أن تنكشف بسرعة غير قابلة للسيطرة، مثال على ذلك انتحار الفتى دافيد مزراحي ابن ألـ 15 في أعقاب أقوال تحقيرية نشرها على الفيسبوك زملاؤه في الصف.
مسوّغات حرية التعبير
هناك أربعة مسوّغات معروفة لأهمية حرية التعبير في المستوى الشخصي والاجتماعي، فهي بموجب هذه المسوغات حق يُقصد به كشف الحقيقة والحرص على الإجراء الدمقراطي وتحقيق الذات وإحداث التغيير من خلال الإقناع.
- طبيعة الإنسان: فرضية أسا في النظام الدكتاتوري أن الإنسان لا يستطيع الاختيار بتعقّل وحِكمة، وعليه ينبغي منعه من الانكشاف إلى مواقف مختلفة عن تلك التي يحملها القائد أو السلطة الّذيْن يعرفان كل شيء. في المقابل، فإن الفرضية الأساسية في الدمقراطية هي أن الناس قادرون على اختيار الأفضل بالنسبة لهم وسط تعدد الآراء.
- حرية التعبير هي أداة لكشف الحقيقة: إذا كان الرأي الذي تمّ إسكاته هو الصحيح، عندها فإن المسّ بحرية التعبير ستحول دون استبدالنا الرأي الخاطئ برأي أكثر صوابا. مثلا: لاحقت الكنيسة العالم جليلو جليلي لأنه ادّعى أن الكرة الأرضية تدور حول الشمس وليس العكس. وقد حالَ منْعُ رأيه من التداول دون تطوير العِلم. حتى لو كان الرأي المخالف خاطئا فإن الحقيقة ستتعزّز لمجرّد الصراع مع الكذب.
- منع استبداد السلطة: في حالات كثيرة تعتدي السلطة على حرية التعبير لتُعطي نفسها الشرعية. لكن السلطة لا تملك الحقيقة دائما ومن شأن منع حرية التعبير الحيلولة دون إسماع نقد ضروري بحقها. مثلا: في إسرائيل في خمسينيات من القرن الماضي كان ممنوعا نشر معلومات تُحرج الحكومة حتى لا يحتج الجمهور على ذلك.
- تحقيق الذات: حتى لو أخطأ الإنسان، فإن كمّ الأفواه يُشكّل مسّا خطرا بكرامة الإنسان وحرّيته. مسموح أن يُعبّر الإنسان عن رأيه وأن يحقق بذلك ذاته دون أن يُسكتوه، وإلا فإن المسّ به والشعور بالإهانة قد يُفضيا به إلى أعمال أخطر تصل حد العنف.
في إطار النقاش ينبغي أن نسأل الأسئلة التالية:
- ما رأيكم في الادعاءات التي وردت أعلاه ـ هل تسري على التعبير بواسطة الشبكات الاجتماعية؟
- هل حرية الرأي، برأيكم، هي قيمة هامة حدّ النضال من أجلها في الشبكات الاجتماعية، أيضا؟
- هل ولماذا من المهمّ في حالات الأزمة بوجه خاص الامتناع عن المسّ بحرية التعبير في الشبكات؟
- هل يستطيع المجتمع في إسرائيل برأيكم أن يتقبّل المسوّغات لحرية التعبير في أوقات الأزمات، أيضا؟
حقّ حرية التعبير وحدوده في عصر الشّبكة العنكبوتيّة
- ليس كل المُبحرين منتبهين إلى ديناميّة الشّبكة العنكبوتيّة والفيسبوك تحديدا ولا إلى قوة الانكشاف الذي قد يكون لأقوالهم. فأقوال خاصة قد تصل إلى مجموعات لم يقصد الكاتب أن تصلها أقواله، وذلك بسبب سهولة المشاركات والإعجابات ـ وهكذا يُمكن لتعبير يُطلق في الفضاء الافتراضي أثناء حالة غليان أو ضائقة عاطفية أن يحظى بانتشار واسع جدا.
- حرية الرأي هي حق أساس في القانون الإسرائيلي، ولهذا الحق إسقاطاته، أيضا على تعابير تنطوي على مساس أو إهانة أو إثارة. والقانون لا يمنع تعابير غير وطنية أو أقوالا تبدو كأنها نقص في الإخلاص للدولة أو انعداما للتماثل معها. والنقد الموجّه إلى سلطات الدولة مثل الحكومة والجيش والشرطة، حتى لو كان متطرفا وغير لائق، فإنه يحظى في العادة بحماية قيمة حرية التعبير. حتى التعبير عن الفرح بموت آخرين، يهودا كانوا أم عربا، ولو كان منفّرا ومقززا إلى أبعد حدّ ـ لا يُشكّل تحريضا على العنصرية أو العنف، وهو فعل غير ممنوع.
- التعبير يُمكن أن يكون ممنوعا عندما يحرّض على العنف (مثلا: “نلتقي اليوم في الثامنة في ميدان تسيون، سيكون هناك يساريون وعرب، أحضِروا معكم حجارة وعصيا، سنلقنهم درسا”، “ينبغي الوصول إلى مدخل القرية، كل يهودي سيحاول الدخول سيتلقى طعنة”)، أو عندما يحرّض القول على العنصرية (مثلا: “كل العرب إرهابيون، فليموتوا كلهم مع أولادهم”، “اليهود هم قتَلة أطفال، ينبغي طرد جميعهم من هنا”). التحريض على العنف والتحريض العنصري هما مخالفة جنائية.
التربية على حرية التعبير في شبكات التّواصل الاجتماعيّ يفرض تحدّيا على المربّين، فهي توجب من جهة، تربية قِيَمية على حقوق الإنسان والدمقراطية، وتوجب، من جهة ثانية، وعيا لأهمية وجود حدود لحرية التعبير. فرض القيود يمسّ مبدأ حرية التعبير لكن من شأنه أن يلفت نظر أولئك غير المنتهين بشكل كافٍ لخطورة نشر أقوال عينية في الشبكات. فالنقاش مع أبناء الشبيبة في الشبكات يجب أن يكون نقاشا يُفضي إلى التعددية بقصد الفهم المعمّق لحرية التعبير وأبعادها.
*** قبل النقاش في الصف نوصي بمشاهدة المقابلة مع ميخا أبني لاكين الذي نُشر في قناة 7 ، ابن ناشط السلام ريتشارد لاكين.
في إطار النقاش ينبغي أن تسألوا الأسئلة التالية:
- هل توافقون مع ادعاء ميخا لاكين؟ اشرحوا
- هل مسموح أن ننشر في الشّبكة كل معلومة باسم حرية التعبير؟
- أي الحقوق تتعارض أحيانا مع حرية التعبير في الشبكة؟
- مَن يُحدّد حدود حرية التعبير في الشبكات الاجتماعية؟
- هل نحن نفرض رقابة على أنفسنا؟ ما هي التخبطّات التي تعترضنا؟
- هل هناك ثمن (نفسي أو اجتماعي) ندفعه من أجل الحصول على منصّة لآرائنا؟
- ماذا تستطيعون أن تفعلوا من أجل تطبيق قواعد الحذر أثناء استخدام الشّبكة العنكبوتيّة والشبكات الاجتماعية؟ هل تستطيعون، حسب رأيكم، أن تُسهموا إسهاما جدّيا في منع المسّ بأطفال وفي حماية حقوقهم. كيف. أعطونا أفكارا!
مهمات للتلاميذ/ات:
- ابحثوا عن تقريرين في مواقع إخبارية في موضوع حرية التعبير. اكتبوا في الدفتر وبإيجاز وصفا للحدث وأشيروا إلى المتضرر؟ أي الحقوق تم المسّ بها؟ كيف تجسّد مبدأ حرية التعبير في الحدث؟ كيف يتمّ تطبيق القانون في الحدث الذي تم اختياره؟ ماذا تفكّرون عن الحدث؟
- أجروا بحثا بين تلاميذ الصفّ/الطبقة حول المسّ بحق حرية التعبير واقترحوا مع مدير/ة المدرسة والطاقم التربوي طرقا لتصحيح ذلك.
- تقصّوا حالات مسّ أو إحقاق حق حرية التعبير في الشبكات الاجتماعية واكتبوا مذكرة موقف في الموضوع هدفها مراقبة حقوق التلميذ/ة.
- يتمّ تقسيم الصفّ إلى 4-5 مجموعات. على كل مجموعة أن تقترح كتابة “بوستات” وإعلانات في الشبكات الاجتماعية تتقيّد بالقواعد التي تسري على حرية التعبير والامتناع عن المسّ بالآخرين.
ملحق 1: أهرون براك في مقاله عن حرية الرأي وحدودها يُميّز بين نوعين من القيود على حرية التعبير: اضغط هنا
- قيود على شكل التعبير: هذه القيود غير موجّهة إلى مضمون التعبير عن الرأي وإنما إلى شكل ذلك، مثلا ـ المتظاهرون الذين يستعملون مكبّر الصوت قد يقلقون راحة الجيران أو ترك النفايات في موقع المظاهرة بصرف النظر عن الرسالة التي يريدون تمريرها أو إن تظاهرة كبيرة لناس معينين قد تعيق الحركة أمام الجمهور.
- قيود على مضمون التعبير ـ مثل هذه القيود تتصل بمضمون التعبير، في هذه الحالات شكل التعبير لا يمسّ حقوقا أخرى إنما من حيث المضمون فإن التعبير قد يمسّ الأمن أو سلامة الجمهور أو مشاعره أو كرامة الإنسان أو قيما أخرى يريد المجتمع الدمقراطي حمايتها.
[1] השימוש במילה “כמעט” נובע ממתן האפשרות לציבור להגביל את חופש הביטוי ברשתות החברתיות על ידי פעולות של חסימה או תלונה.