كانت رواية “سياج حَيّ” للأديبة دوريت ربينيان سببًا في إثارة زوبعة جماهيريّة، لم تخمد أصداؤها بعدُ .
تسرد الرواية قصّة حُبّ في نيويورك بين ليئات اليهوديّة الإسرائيليّة وبين حلمي العربيّ الفلسطينيّ، فيما يتردّد في الخلفيّة صدى واقع النزاع الإسرائيليّ – الفلسطينيّ المعقّد في إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة.
إليكم في ما يلي تذكير موجز بهذه الزوبعة لمن فاته/ فاتها تسلسل الأحداث:
طالب معلّمون للأدب العبريّ في المدارس الثانويّة اليهوديّة بتدريس هذه الرواية ضمن منهاج تدريس الأدب (للمدارس اليهوديّة). في أعقاب هذا الطلب، قامت لجنة موضوع الأدب في وزارة التربية والتعليم، بمناقشة الطلب وقرّرت إدراج تدريس هذه الرواية، في إطار منهاج تدريس الأدب بمستوى خمس وحدات.
مديرة قسم العلوم الاجتماعية والآداب، والقائمة بأعمال رئيس السكرتارية التربويّة في وزارة التربية والتعليم، قرّرتا رفض توصية اللجنة، وبذلك بقيت الرواية خارج منهاج التعليم. استئناف المفتش عن تدريس الأدب لم يُجْدِ نفعًا، وبقي القرار ساري المفعول. تبريرات القرار تحدّثت عن “الخوف من الانصهار” بسبب عدم قدرة أبناء الشبيبة على “الرؤية التركيبيّة”، وبسبب ميلهم إلى الرومانسيّة (غيّر وزير التربية والتعليم الاتّجاه في ما بعد، وادّعى بأنّ سبب رفض التوصية هو كون الرواية تمسّ بقيم الدولة، ولأنّها تشوّه صورة وسمعة جنود جيش الدفاع الإسرائيليّ).
توجَّهت جمعيّة حقوق المواطن برسالة إلى وزارة التربية والتعليم، طالبت فيها بإدراج الرواية في منهج التعليم، وفي أعقاب ذلك، نُشر بأنّ المستشار القضائيّ للحكومة سيفحص قرار وزارة التربية والتعليم.
للفعالية اضغط على كلمة المزيد
من الناحية العمليّة، حاولت وزارة التربية والتعليم فرض رقابة على الأعمال الأدبيّة التي تعرض على التلاميذ. وتوصيل رسالة مفادها أنّه توجد أعمال أدبيّة لائقة وأعمال أخرى مرفوضة بحسب مضمونها. كما تمّ نقل رسالة إشكاليّة جدًّا تتعلّق بحرّيّة التعبير الفنّيّ – فهم التلاميذ بأنّ النظرة إليهم هي أنّهم غير قادرين على القراءة والتفكير الناقد للأعمال الفنّيّة (الأدبيّة)، التي تعكس تعقيدات واقع الحياة؛ وفهم المعلّمون بأنّه عليهم الامتناع عن إحضار أعمال فنّيّة تصوّر صراعًا إلى الصفّ؛ أمّا الفنّانون أنفسهم (الأدباء)، ففهموا بأنّ الأعمال الفنّيّة الخِلافيّة من المحتمل أن تبقى خارج “سياج حَيّ” لمنهج التعليم في وزارة التربية والتعليم.
عمليًّا، العمل العنيف (البلطجيّ) الذي قامت به وزارة التربية والتعليم، خلق ردّ فعل إعلاميًّا قويًّا إلى درجة أنّ الكتاب “السياج الحيّ” حظي بعلاقات عامّة (دعاية) واسعة، ما كانت لتخطر في بال المؤلّفة ربينيان في أيّ ظرف آخر، فقد ارتفعت مبيعات الكتاب أضعافًا مضاعفة. كما أنّ الخطاب العامّ والتربويّ حول الكتاب وحول التساؤلات التي يطرحها، قد ثار وملأ الشبكات الاجتماعيّة ووسائل الإعلام. أي أنّ حرّيّة التعبير حظيت بدعم غير متوقّع بسبب أولئك الذين أرادوا أن يقلِّصوها.
يمكننا التطرّق إلى القضية التي طرحت أعلاه من زوايا كثيرة، إلّا أنّنا هنا سنركّز على مستويَيْن: الأوّل يتعلّق بحرّيّة التعبير الفنّيّ والثاني يتعلّق بحرّيّة التعبير في المجال التربويّ، المتمثّل هنا في مختلف الأعمال الأدبيّة التي “يُسمَح” بتعليمها.
تتبنّى المجتمعات الديمقراطيّة، بشكل عامّ، النظريّة القائلة بأنّ حرّيّة التعبير الفنّيّ، بكل أشكاله وصوره جدير بحماية خاصّة، تنجم عن الوظائف الاجتماعيّة الخاصّة للفنّ في الحياة الانسانيّة؛ يطوّر الفنّ قدرة احتواء الآخر والتماهي معه ومع مشاعر وأفكار مختلفة؛ ويمكّن من التعبير عن المشاعر غير المألوفة في المجتمع، وغيرها. حتّى أنّ أولئك الذين لا يوافقون مع التعليلات أعلاه، يوافقون، بكل تأكيد، على أنّ حرّيّة التعبير الفنّيّ جدير بحماية مماثلة لحماية حرّيّة التعبير العامّة، والتي هي حقّ أساسيّ في النظام الديمقراطيّ.
وماذا عن حرّيّة التعبير في المجال التربويّ؟ المقصود هو المجال الذي فيه المعلّمون والمعلّمات يختارون (في تعليم الأدب، على سبيل المثال)، ما هي المضامين والأعمال الأدبيّة التي يقدّمونها للتلاميذ/ للتلميذات، وما هي حدود المناقشة التي تدور حولها. في الآونة الأخيرة أشغلت الجمهور أيضًا قضية حرّيّة التعبير السياسيّ للمعلّمين والمعلّمات، حتّى أنّ وزارة التربية والتعليم عبّرت عن موقفها من هذا الموضوع، والذي بناء عليه “في إطار التعبير عن المواقف السياسيّة داخل الصفّ يستطيع المعلّم/ة أن يعبّر عن موقف وحتّى أن ينتقد بشكل متوازن الكنيست ولجانها، ومن ضمنها قرارات وقوانين سنّتها، وكذلك بالنسبة إلى الحكومة ووزاراتها وبضمنها سياسة الحكومة، ولكن شريطة أن يحرص في انتقاداته ألّا تكون مسيئة أو مهينة. على المعلّم أن يترفّع، قبل كلّ شيء، عن موقفه الشخصيّ، وأن يعرض المواقف الأخرى بنزاهة وأن يمكّن تلاميذ الصفّ من التعبير عن موقف يختلف عن موقفه، وأن يحرص على أن يكون انتقاده لا يعبّر عن سحب الشرعيّة عن الدولة، أو سحب الاعتراف بالدولة، أو كونها دولة يهوديّة وديمقراطيّة، وعدم سحب الشرعيّة عن أشخاص أو أوساط من المجتمع الإسرائيليّ. كلّ ذلك بما يتّفق مع روح قانون التعليم الرسميّ”. هذا ما ورد في منشور المدير العامّ لوزارة التربية والتعليم.
تجدر بالإشارة إلى أنّه نشر في الآونة الأخيرة في الشبكات الاجتماعيّة ملفّ بريد إلكترونيّ، فيه توجيه من وزارة التربية والتعليم، أُرسل إلى المعلّمين والمعلّمات حول موضوع “التعبير عن الرأي في الإعلام الإلكترونيّ المكتوب”. بناءً على الادّعاء، فإنّ التوجيه طالب المعلّمين والمعلّمات بعدم توجيه نقد مسيء إلى الكنيست ولجانها، وكذلك إلى الحكومة ووزاراتها”. في حين يسري مفعول هذه التعليمات على العاملين في سلك التربية والتعليم كأشخاص خصوصيّين. كما حذّرت التعليمات بأنّ مخالفتها تنطوي على مخالفة تأديبيّة خطيرة.
يمكن الاستنتاج والقول بأنّه يسمح للمعلّم بأن يعبّر عن مواقف سياسيّة في داخل الصفّ وحتّى تلك التي تنتقد سياسة الحكومة شريطة أن يفسح مجال أمام مناقشة مفتوحة ومتوازنة حول الموضوع – إذا كان هذا مسموحًا فبلا شكّ ينطبق ذلك على عرض أعمال فنّيّة ناقدة أو خِلافيّة على التلاميذ والتلميذات. يمكن تشجيع المعلّمين والمعلّمات على عرض أيّ عمل فنّيّ حتّى إن كانت تثير معارضة لدى اوساط مختلفة، وأن يجروا حولها مناقشة قيميّة – اجتماعيّة إلى جانب المناقشة المهنيّة -الفنّيّة للعمل الفنّيّ/ الأدبيّ.
كيف يمكننا أن نُجري نقاشًا حول الموضوع داخل الصفّ؟
- نشرت جريدة “كلكليست” (כלכליסט) تقريرًا تضمّن قائمة بأسماء كتب حظرت الرقابة نشرها في دول مختلفة لأسباب متنوّعة.
- قسّموا التلاميذ إلى أربع مجموعات. اعرضوا على كلّ مجموعة كتابًا محظور من القائمة.
- اطلبوا من كلّ مجموعة أن تبحث وأن تقرأ من مصدرين على شبكة الإنترنت، يتوسّعان في الحديث عن الكتاب وعن خلفيّة كتابته (يمكن استعمال الهواتف الخليويّة أو الحواسيب إن وجدت، للبحث في الإنترنت). على كلّ مجموعة أن تكتب باختصار – ما هو مضمون الكتاب، لماذا حظر نشره وأين، وما هو رأيهم في الحظر (هل هو على حقّ أمّ لا ولماذا).
- في الصفّ بكامل هيئته – تعرض كلّ مجموعة التلخيص الذي كتبته بعد ذلك تجرى مناقشة صفّيّة. نقاط للمناقشة:
- ما هي المبرّرات التي أعطتها لجنة الرقابة لحظر نشر الكتاب أو بيعه؟
- من هم المتضرِّرون من قرار الرقابة وما هو الضرر الحاصل (مسّ بالحقوق؟ حقوق من؟).
- هل، حسب رأيكم، هناك أسباب تبرِّر فرض رقابة على العمل الأدبيّ؟
ما رأيكم في المبرّرات التي أعطتها وزارة التربية والتعليم لرفض رواية “سياج حَيّ”؟
- هل في رأيكم سيكون الأمر مختلفًا لو كانت الرواية تحكي قصّة حبّ بين فتاة فلسطينيّة وشابّ يهوديّ؟
- كيف كنتم تريدون أن يسير التعليم بشكل عامّ، وتعليم الأدب بشكل خاصّ، في كلّ ما يتعلّق بالمضامين التي تعرض على الصفّ؟
في ما يلي اقتباسات من التقرير الصحفيّ الذي نشرته جريدة “كلكليست”:
“مزرعة الحيوانات”
هذه الرواية الرمزيّة اللاذعة التي كتبها الكاتب جورج أورويل في سنة 1945 كنقد لاذع على صعود الشيوعيّة إلى السلطة في الاتّحاد السوفييتيّ، فرضت الرقابة حظرًا على دخول هذه الرواية أو طباعتها في الاتّحاد السوفييتي وفي دول شيوعيّة أخرى خلال سنوات طويلة.
لم تتوقّف الرقابة عند هذا الحدّ: في سنة 2002 حظرت المملكة العربيّة السعوديّة تعليم الكتاب لسبب آخر بعيدًا كلّ البعد ألا وهو: شخصيّة الخنزير الذي يتحدّث في الرواية “يتعارض مع قيم الإسلام”. في كوريا الشمالية ما زال محظورًا نشر هذه الرواية أو امتلاكها.
“شيفرة دي فينشي للمؤلف الأمريكي دان براون نشرت عام 2003
شيفرة دي فينتشي
وهي رواية تشويق وغموض بوليسيّة خياليّة للكاتب الأمريكيّ دان براون انشرت سنة 2003 وقد حظيت برواج كبير جدًّا وهي في رأي الكثيرين آخر ما يمكن التفكير به هو الرقابة عليها أو مقاطعتها… في سنة 2004 حُظر توزيع الكتاب في مكتبات لبنان بعد أن ادّعى رؤساء الكنيسة الكاثوليكيّة في الدولة بأنّ الكتاب يصف السيّد المسيح بشكل مسيء”.
“المجنون الأمريكيّ”
رواية الكاتب الأمريكيّ Bret Easton Ellis التي تحكي قصّة رجل الأعمال الناجح من منهاتن الذي تحوّل إلى قاتل امتهن القتل كانت عملا أدبيًّا استخدم فيها المؤلف أوصافًا عنيفة تصويريّة من أجل عرض نقد اجتماعيّ حادّ على النظام الرأسماليّ الأمريكيّ الوبائيّ وكانت الأساس الذي بني عليف الفيلم الناجح بطولة كريستيان بايل.
أوصاف العنف الشديد فرضت قيودًا صعبة على توزيع الكتاب. في ألمانيا وصف الكتاب بأنّه “خطر على القاصرين” وقيّد توزيعه في السنوات ما بين 1995 وَ 2000. في أستراليا بيع الكتاب لمن فقط لمن تجاوزوا الثامنة عشرة وعًرض في المكتبات مع غلاف غامق اللون وكذلك حظر بيعه للقاصرين في نيوزيلندا.
الحارس في حقل الشوفان*:
رواية الكاتب جيروم ديڤيد سالينغر (J. D. Salinger) التي تقف في مركزها شخصيّة هولدن كولفيلد، الذي يصف مشاعر الاغتراب في المجتمع الرأسماليّ في الولايات المتّحدة الأمريكيّة في سنوات الـ 50 والاشمئزاز من الزيف الذي اتصف به هذا المجتمع وانتقاداته له وغيرها. تمّ حظر الكتاب في عدّة دول بدعوى مضامين غير لائقة، والتي ادُّعي بأنّها كانت الإيحاء بحوادث قتل منها مقتل جون لينون. (مغنٍّ وشاعر وعازف غيتار في فرقة البيتلز= الخنافس).
*هذا الكتاب لم يَرِد ضمن القائمة في تقرير كلكليست” وقد أضيف إلى القائمة وقت كتابتها.
كُتب هذا البوست في إطار مشروع “قوّة الكلمة“، الذي بادرت إليه جمعيّة حقوق الإنسان وكلّيّة آدم. في إطار هذا المشروع، تعرض حرّيّة التعبير الفنّيّ وحرّيّة التعبير الأكاديميّ بتوسّع، وفيه تخطيطات دروس مع خلفيّة نظريّة.
هذا الدرس طور ضمن برنامج: “لكل كلمة قوتها”