الشبكات الاجتماعية في خدمة الديمقراطية: للطباعة الدرس اضغط هنا
مقال اوكي مروشيك.
يتعامل جهاز التعليم بشكل كبير مع مواضيع متعلقة بالإعلام عبر الانترنت. فمن جهة تعقد دورات استكمال من أجل تعميق قدرة الطلاب على إستخدام الإعلام عبر الانترنت لأغراض التعليم والتواصل مع المعلمين والأهل والطلاب الآخرين. ومن جهة أخرى تعقد مؤتمرات تتناول سبل التعامل مع الخطاب العنيف بين المراهقين أنفسهم ومع البالغين في مواضيع مختلفة. كذلك يحاول جهاز التعليم معالجة ظاهرة “التحقير” (شامينغ) بين الطلاب وظاهرة التحرش الجنسي عن طريق الفيسبوك وتويتر والواتساب. انظر المقال كيف نحمي أبنائنا من مخاطر الإنترنت او هنا
ولكن الإعلام عبر الانترنت يحمل إمكانيات تثقيفية واجتماعية وديمقراطية، لا تتم مناقشتها عادة ولذلك فلا يتم تطبيقها.
هذا المنشور مخصص لتناول هذه الإمكانيات.
يمكن البدء بتعزيز الدور التعليمي للإعلام عبر الانترنت بتعليم دور هذا النوع من الإعلام في انظمة الحكم غير الديمقراطية، وفي الأنظمة الديمقراطية وفي العلاقات بين الانظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية. (انظر المقال: “البث المباشر” عبر فيس بوك أدارة الأتراك لبث احداث ليلة الانقلاب لحظة بلحظة
وسيترجم هذا التعليم في المرحلة الثانية لفعاليات تربوية للطلاب.
- ألدور الذي يلعبه الإعلام عبر الانترنت في انظمة الحكم غير الديمقراطية:
في أنظمة الحكم غير الديمقراطية، يكون الإعلام عبر الانترنت احياناً القناة الرئيسية، إن لم تكن الوحيدة، التي يستطيع الناس من خلالها التعبير عن آرائهم حول نظام الحكم، وتبادل الأفكار والآراء فيما بينهم، وتخطيط فعاليات احتجاج واسعة ضد الحاكم الذي لم ينتخبه العامة. في انظمة الحكم غير الديمقراطية، لا تسمح قنوات الاتصال المؤسساتية بحرية التعبير للمواطنين، ولا يرى نظام الحكم في تبادل الآراء وسيلة مشروعة للعمل السياسي. لذلك يمارس الجمهور حاجته في حرية التعبير عبر شبكة الانترنت والتي يكون من الأصعب تحديدها أو فرض الرقابة عليها. (رغم أن الأمر ممكن بالطبع). حتى في الحالات التي يُفرض فيها منع على استعمال الإعلام عبر الانترنت أو حين يمنع النظام استعماله، يجد الناس طرقاً للتحايل على هذا المنع. فعلى سبيل المثال، فهم يجرون مكالمات هاتفية مع أشخاص خارج حدود دولتهم، وهؤلاء بدورهم ينشرون المواد المطلوبة على وسائل الاعلام عبر الانترنت المفتوحة على العالم الحر. وينقل صحافيون من دول أجنبية المواد المصورة على شبكة الانترنت، كما ينشط المهاجرون أيضاً في هذا المجال.
قيل الكثير في هذا السياق عن “ربيع الشعب المصري” وعن دور الفيسبوك في تجنيد المتظاهرين ضد حكم مبارك، كما حصل ذات الأمر في دول عربية أخرى شاركت في هذه الظاهرة المثيرة. استعملت الشبكة في هذه الحالات كأداة لحماية الحقوق الديمقراطية في كيانات غير ديمقراطية. وقد سمحت بحماية نسبية لحرية التعبير، ولحماية الحق في الاحتجاج وغيرها. وقد كان من المفترض أن تساعد في استبدال نظام غير ديمقراطي بنظام ديمقراطي، مع انها فشلت بذلك في نهاية الأمر. انظر المقال: احتجاجات جديدة على غلاء المعيشة في إسرائيل: “احتجاجات برلين”
يستطيع طلاب المدارس أن يتعلموا عن دور الشبكة في حشد الاحتجاج ضد الأنظمة غير الديمقراطية والبحث في إن كان لمواطني الدول الديمقراطية امكانية للتأثير على هذه التحركات وإن كان لهم الحق / أو أنهم ملزمون / او قادرون على التأثير؟ وهذا يعني أن على الطلاب أن يفحصوا إن كان من واجبهم التوقيع على العرائض التي ينشرها مواطنون ناشطون في أنظمة غير ديمقراطية، والذين يتوجهون بطلب المساعدة من سكان الدول الحرة. أو أن هذا الامر ليس من المفترض أن يعنيهم.
- وظيفة الاعلام في أنظمة الحكم الديمقراطية:
يختلف الباحثون في وسائل الاعلام عبر الانترنت حول إن كان الفيسبوك، الواتساب، وبقية قنوات الاتصال عبر الانترنت هي وسائل لتعزيز الديمقراطية أم لإضعافها؟
أولئك الذي يؤمنون بأن الاعلام يعزز الديمقراطية يتطرقون لعدد من الخصائص: اولاً، بعكس وسائل الإعلام المؤسساتية، يستطيع كل شخص نظرياً أن يعبر عن مواقفه من خلال هذه الوسائل. لا يحتاج المستخدمون لهذا الغرض موارد متعددة او علاقات وثيقة مع أفراد من السلطة أو المؤسسة. ثانياً، أثبتت وسائل الإعلام نفسها كوسيلة ذات تأثير كبير في حشد الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد السلطة وضد مراكز القوى.
في إسرائيل تمثل ذلك في الإحتجاجات الشعبية عام 2011، وفي فرنسا شهدنا هذه الأيام احتجاجات كبيرة ضد قوانين العمل التي طرحتها الحكومة الحالية. مثال آخر من ألمانيا لحركات قيادية ومؤثرة بواسطة الشبكات الاجتماعية كان في حركة “انونيموس”، أنظر المقال: قراصنة يهاجمون مواقع إلكترونية إسرائيلية
يختلف الباحثون فيما بينهم حول حجم الاستخدام الديمقراطي للإعلام عبر الانترنت. المتفائلون منهم رأوا ويرون فيها أداة لتعزيز الديمقراطية المباشرة، وتقليص قوة الديمقراطية الممثلة، وتوسيع مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات في مجالات متعددة تخص حياتهم. يستطيع الناس في هذا السياق استخدام الشبكة سواء من أجل تبادل الحوار في معضلات تتعلق بحياتهم، أو لعقد نقاش حول طروحات قائمة، أو من أجل اقامة تصويت متكرر في مواضيع مختلفة، والتعبير عن موقفهم بشكل حازم، وليس فقط عبر الانتخابات التي تقام مرة كل أربع سنوات. كما أن هناك من يرى أن مؤشر الديمقراطية اختلف في السنوات الأخيرة وهو يتركز الآن في عدد من المجالات التي يستطيع المواطن أن يؤثر فيها، وليس فقط في عدد المشاركين في الانتخابات.
إمكانية استخدام الشبكة لتعزيز الديمقراطية المباشرة يستوجب بالطبع نقاشاً معمقاً حول تغيير موازين القوى بين ممثلي الحكم المنتخبين، وبين “الجماهير” الذين يتحولون لشركاء في عملية إتخاذ القرارات. يعقد مثل هذا الحوار في المجتمع المدني وفي مؤسسات الحكم، ولكن ليس بشكل كافي. ويستطيع الطلاب المشاركة فيه والمساهمة في الحوار حول هذا الموضوع.
هكذا مثلاً يمكن مع الطلاب بحث إن كانت دورهم في الديمقراطية المدرسية يجب أن يطبق من خلال المشاركة في انتخابات مجلس الطلبة، أو من خلال طرح المواضيع التي تهمهم على شبكة الإنترنت في المدرسة، وإجراء حوار شعبي وبتصويت متكرر حول هذه المواضيع بضغطة زر. وإذا رغب الطلاب بالدمج بين هاتين الطريقتين، فمن المهم إجراء بحث لدراسة الطرق الامثل لدمجها.
إلى جانب أولئك الذين يطلبون استعمال الشبكة لاستبدال نظام الحكم من ديمقراطية مباشرة إلى ديمقراطية تمثيلية، نرى طروحاً “اكثر اعتدالاً” من بينها استعمال الشبكة لإقامة حوار فعال أكثر بين المنتخَبين والمنتخَبات، وبين المواطنين والمواطنات. المواطنون من جانبهم يستطيعون أن يشكلوا بواسطة الشبكة ضغطاً سياسياً اجتماعياً على المنتخبين والمنتخبات من أجل أن يلتزموا بالوعود التي قطعوها، وكذلك السلطة من ناحيتها يمكنها أن تنشر المعلومات بشكل واسع عن نشاطاتها وانجازاتها واخفاقاتها، وكذلك قياس مواقف ناخبيها عبر الحوارات التي تقام على الشبكة. (مثلاً: شبكة المعلومات والحوار الخاصة بالكنيست: https://oknesset.org/ )
وكما في أنظمة الحكم غير الديمقراطية، يمكن للشبكة في الأنظمة الديمقراطية أن تشكل أداة لحشد احتجاجات واسعة، والتوقيع على العرائض وللتعريف باخفاقات الحكم التي لا يتم طرحها عبر وسائل الإعلام المؤسساتية. من الجدير في هذا السياق الإشارة إلى أن الصحافة المؤسساتية مرتبطة بقوى إقتصادية وسياسية، فيما يكون تأثير هذه القوى على الشبكات الإجتماعية في هذا السياق أقل بكثير.
ومع أن الشبكة ليست أداة لتعزيز الديمقراطية فحسب. هناك من يخشون من تأثيرها السلبي على الحكم الديمقراطي. فهم يرون أنها تجعل ملاحقة المواطنين من قبل السلطة أكثر سهولة مما لو تواصلوا فيما بينهم دون وساطة الشبكة. القدرة التقنية على مراقبة محادثات المستخدمين في تطور مستمر، وهذا يمكن أن يكون له تأثير سلبي على حق المواطنين في الخصوصية وفي التحكم بعالمهم. يكثر الحديث عن مراقبة المكالمات من قبل جهات إقتصادية، ومن المهم الآن زيادة التوعية حول هذا الموضوع في السياقات السياسية والديمقراطية. سؤال تحكم أصحاب القوى بالشبكة مهم أيضاً في نظام التعليم. فالشبكة تحتوي على الكثير من المعلومات الرسمية وغير الرسمية عن الطلاب والأهل وعن المعلمين والطاقم التربوي. النقاش حول تقييد الرقابة على هذه المعلومات والتحكم بها، مهم لجميع المشاركين في الجهاز التربوي بمن فيهم الطلاب بالطبع.
سبب آخر لرفض استعمال الإعلام عبر الانترنت لتعزيز الديمقراطية يرتكز على الإعتراف بأن القدرة على استعمال هذه الوسيلة ليس متكافئاً. هنالك مواطنون يبرعون في استخدام هذه الشبكات، بينما هناك آخرون غير متصلين بالشبكة أساساً، أو أنهم لا يعرفون كيفية استعمالها بشكل فعال. هذه الفروق في القدرات يمكنها أن تسبب عدم تكافؤ للفرص بين المواطنين في تحقيق أفكارهم او الحصول على حلول لإحتياجاتهم. أحد الامثلة البسيطة التي يمكن أن نقدمها على هذا هو في مجال حجز الأدوار في صناديق المرضى. فمنذ أن توفرت الإمكانية لحجز دور لدى الأطباء عبر الانترنت، حصل المتصلون بالانترنت مباشرة على أفضلية, كبار السن، الفقراء وآخرون غير قادرين على استعمال الحاسوب، يتوجب عليهم الوصول إلى المكان لأخذ رقم وحجز الدور. وبسبب ذلك فهم يجدون أنفسهم في العديد من الأحيان في نهاية الدور. ولا حاجة للتوسع لأنظمة أخرى في هذا السياق. أما في جهاز التعليم فإن عدم التكافؤ في الوصول إلى الحاسوب له تأثيرات بعيدة المدى يجدر تحليلها والإشارة إلى تأثيراتها السلبية. ويمكن للطلاب المساعدة بشكل كبير في هذا النقاش.
الذين يقدّرون الديمقراطية يخشون أيضاً من تحول النقاش عبر الإنترنت حول معضلات إجتماعية تدريجياً إلى حوار متردٍ وسطحي. المواضيع الجدية التي تستلزم البحث وجمع المعطيات، والنقاش حول التأثيرات الممكنة لكل قرار وقرار يمكنها أن تتضرر. فالنقاش عبر الشبكة لا تغلب عليه هذه العناصر التي يحتاجها النقاش السياسي العقلاني المطلوب.
ربما بالإمكان التقليص من هذه السلبيات لاستخدام الشبكة في المجالات الديمقراطية، ولكن مع ذلك يجدر إبداء الرأي حولها وتخصيص الموارد للتعامل معها. يمكن لطلاب المدرسة أن يساهموا بشكل فعال في مثل هذا الحوار.
ما الذي يمكن تعلمه حول استعمال الشبكة في اللقاء بين دولة معترف بها (اسرائيل) وكيان لم يتم تحديد وضعه السياسي (السلطة الفلسطينية)؟
يدور في هذه الأيام في إسرائيل نقاش شعبي يتعلق باقتراح قانون تقدم به وزير الأمن الداخلي السيد غلعاد اردان لحجب التفوهات التحريضية ضد دولة إسرائيل على شبكة الإنترنت عموماً وعبر الفيسبوك بشكل خاص. جاء هذا الإقتراح في أعقاب عدم رضى الوزير عن إجراءات الرقابة في الفيسبوك على ما اعتبره تحريضاً. وفي هذا السياق كتب الوزير “سنقدم أنا والوزيرة شكيد قانوناً لحجب التحريض على الانترنت، سيتناول القانون حجب الوصول للمضامين الممنوعة ورسائل التحريض على الإرهاب وإزالتها بشكل تام”.
توجه الوزير (والذي يعمل كشخصية منتخبة في نظام ديمقراطي) أعتبرت مسيئة للعديد من الأسباب –
1. رغم وجود قانون منع العنصرية في دولة إسرائيل، يتم تطبيق القانون بشكل اختياري وبطريقة غير متساوية. حتى اليوم لم يسري القانون تقريباً على النقاشات عبر الفيسبوك ولذلك بقيت هناك مساحة نسبية من حرية التعبير لجميع الناس، حتى لو كان الثمن التعرض لمضامين عنصرية. كما أن الحالات التي لم تكن فيها مساواة صبت في معظم الاحيان في صالح المجتمع اليهودي. يمكن رؤية ذلك على سبيل المثال عند مقارنة تطبيق القانون فيما يتعلق بقضية الشاعرة دارين طاطور مقارنة بتطبيقه في حالات قام فيها “الظل” بالتحريض على العنصرية. (راجع مقالة: إختبار الارهاب على الفيسبوك: كيف تعاملت الشبكة الاجتماعية مع من وضع منشوراً عن عملية عدائية؟)
2. عملية الرقابة عبر الانترنت ليست واضحة لجميع الناس، بل للمطلعين والعارفين لخفايا التكنولوجيا فقط. إختفاء الشفافية في هذه المعضلة يشكل خطراً على الديمقراطية ويمكنه أن يعطي الشرعية لرقابة غير موضوعية وغير متساوية.
3. لا تعمل شبكة الإنترنت وفق أطر سياسية. (حتى إن كانت لدول مختلفة قوانين مختلفة في هذا السياق)، الرقابة على الحوار الداخلي في إسرائيل أو في المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية يعتبر رقابة عابرة للحدود. هذا يمكنه أن يكون غير شرعي وغير فعال أيضاً. علينا أن نفكر كيف كنا سنتصرف لو بدأت دول اجنبية بمراقبة وتقليص استعمال دولة اسرائيل لشبكة الانترنت الخاصة بها.
4. التفوهات التحريضية والعنصرية تسمح بفتح النقاش والحشد لممارسة مقاومة مدنية. هكذا نشهد مثلاً الكثير من اللقاءات بين اليهود والعرب التي تعقد نتيجة مظاهر واضحة من العنصرية والتحريض. وضوحها هو الذي دفع المجتمع الذي يرفض الإرهاب إلى القيام والتصرف. ولا نعتقد بأن هذه التحركات كانت لتولد لو كانت مظاهر العنصرية خاضعة للرقابة. فالرقابة على التفوهات لم تكن لتمنع هذه الظاهرة بل كانت ستجعلها مخفية.
هذا المنشور مخصص لمحاولة التعرف من خلال الفضاء السياسي على إمكانيات الدفاع عن الديمقراطية بواسطة الشبكة. كما يتطرق إلى الطريقة التي يمكن أن تستغل بها المدارس هذه المعرفة من أجل تثقيف الطلاب حول المشاركة المجتمعية والدفاع عن الديمقراطية. ومن خلال التعلم عن إستخدامات شبكة الانترنت في أنظمة الحكم الديمقراطية، والأنظمة غير الديمقراطية، واللقاء مع الكيانات السياسية التي لم يتم تصنيفها، يستطيع الطلاب التعلم عن الفعاليات المدنية العديدة التي يمكن ممارستها من قبلهم ومن قبل مدرسيهم، سواء في إطار المدرسة أو في أطر أخرى ينتمون إليها. يمكنهم التعلم من النظام الديمقراطي عن كيفية جعل المعلومات حول ممارسات نظام الحكم أكثر شفافية ووضوحاً، ويمكنهم أن يتعلموا كيفية العمل باستخدام الشبكة من أجل تعزيز الديمقراطية المباشرة / المتشاركة، كما يمكنهم أن يتعلموا من طرق العمل في نظم الحكم غير الديمقراطية عن كيفية استعمال الشبكة للانتقال من نظام غير ديمقراطي إلى ديمقراطي.
برنامج “قوة الكلمة” يقدم خططاً تعليمية ومواضيع للنقاش تتناول حرية التعبير والتحريض على العنصرية. هناك فصل مخصص لموضوع حرية التعبير في العصر الرقمي.