كتب هذا المنشور في اطار مشروع:
د.أوكي مروشك-كلارمن
“قانون منع الإضرار بدولة اسرائيل من خلال المقاطعة، لعام 2011” المعروف بـ”قانون المقاطعة” والذي تمت المصادقة عليه بالاجماع في الكنيست بتاريخ 11.7.2011. واعيدت المصادقة عليه مع التعديلات بإجماع الكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة – مقترح “قانون الدخول لاسرائيل” في يوم 6.3.2017 ”
يعرّف قانون “الدعوة للمقاطعة” كدعوة متعمدة وعلنية للإمتناع عن التواصل الاقتصادي والثقافي والأكاديمي مع شخص او مع جهة أخرى، فقط من منطلق صلته بالدولة أو بمؤسسة من مؤسساتها أو لمنطقة تخضع لسيطرتها. لا تعتبر الدعوة للمقاطعة مخالفة جنائية بحسب القانون، ولكن يمكن اعتبارها مخالفة مدنية بالامكان الاعتماد عليها للمطالبة بتعويضات، بمعنى، لا يوجد منع جنائي لدعوات المقاطعة ولكن من يقوم بها يكون معرضاً لدعاوى وعقوبات اقتصادية .
يحتاج تشريع القانون إلى نقاش عام اجتماعي وسياسي من أجل صياغة موقف حول كون هذا القانون غير ديمقراطي أم لا، كونه احد القوانين التي يمكن اعتبارها خطراً على طبيعة النظام في اسرائيل، أم أنه قانون ديمقراطي، التي قد تختلف عليه الاراء ولكنه ليس من المفترض أن يثير أي نوع من القلق لدى من يصطفون خلف النظام الحاكم.
أهمية حرية التعبير في الديمقراطية تمت مناقشتها بتوسع عبر تاريخ الفكر السياسي وفي مجال القانون. حصل الحق في التعبير الحر على موقف خاص تطرقنا اليه في عدد من المنشورات كنا قد نشرناها ضمن برنامج “قوة الكلمة” والتي تناولت موضوعي حرية التعبير والتحريض.
المقاطعة كما عرفها القانون هي إحدى وسائل التعبير. والتي يمكن مناقشتها ظاهريا كما نناقش أنواع التعبير الأخرى وتجنب النقاش المقترح، ولكن التدقيق في الأمر يظهر ان لهذه الوسيلة ميزات خاصة تحتاج الى مزيد من التفكير.
ما هي الخصائص المميزة لقانون المقاطعة؟
هدف المقاطعة كما في وسائل تعبير أخرى، هو التأثير على واضعي القرارات ليغيروا من سياساتهم. الا انه بعكس الوسائل الأخرى لا تضر المقاطعة بواضعي السياسات او بالمسؤولين عنها فقط، بل بمن يعارضونها ومن لا يعنيهم أمرها أيضاً. فالمقاطعة التي فرضتها الدول العربية على دولة اسرائيل في السنوات الاولى لإقامتها مثلاً، لم تؤثر على واضعي السياسات في دولة اسرائيل فقط، بل أثرت كذلك على مواطني دولة اسرائيل الذين عارضوا سياسة الحكومة. وبنفس الشكل فالمقاطعة الأكاديمية لدولة اسرائيل، والتي تهدف إلى تغيير سياسة الاحتلال التي تنتهجها دولة اسرائيل، لا تضر فقط بالمحاضرين والطلاب الذين يؤيدون الاحتلال، ومنهم اولئك الذين لا يوافقون على تعريف الضفة الغربية كمناطق محتلة أصلاً، ولكنه يضر أيضاً بالمحاضرين والطلاب الذين يؤيدون المقاطعة نفسها. والمقاطعة الاقتصادية لا تضر بالمشغلين فقط ولكنها تضر حتى بالعمال الفلسطينيين أنفسهم.
بسبب المميزات الخاصة للتعبير من خلال المقاطعة فإن هناك من يعارضها بشدة ويدعي بأنها تشبه في تأثيرها العقاب الجماعي، ولذلك فهي غير منصفة وغير ديمقراطية. وهم يعتقدون بأنه اذا فرضنا عقاباً جماعياً، فإننا نضر بأسس المبادئ الأخلاقية والديمقراطية والتي بحسبها يجب أن “يقتل كلٌ على جرائمه”. (ولا نتحدث عن القتل بالطبع، ولكن المعنى أن الشخص يستحق العقاب فقط إن كان هو من أخطأ). معاقبة الأشخاص غير المسؤولين عن الجرائم يمكن أن يقود إلى حالة غريبة كتلك التي أشار إليها الفيلسوف “نوعام حومسكي” والذي يعارض فرض المقاطعة على دولة إسرائيل بادعاء انه: “إذا قاطعنا جامعة تل أبيب لأن اسرائيل تعتدي على حقوق الانسان، لماذا لا نقاطع هارفارد لاعتداءاتها الأكبر على حقوق الانسان في الولايات المتحدة ”
بكلمات أخرى، تبرير العقاب الجماعي يمكن أن يخلق حالات غريبة من التطرف يتضرر فيها أشخاص ومنظمات لا علاقة لها بالمرة بوضع السياسات التي تتم مقاطعتها. وتصبح المشكلة أكثر خطورة إذا كان المتضرر الرئيسي هم الجماعات المستضعفة المنتمية جزئياً أو بشكل كامل للجماعة التي تمت مقاطعتها. إلا انه بعكس هذا الادعاء، هناك من يرى أنه علينا التمعن في وسيلة المقاطعة بطريقة مختلفة يمكن منها استخلاص المبرر الشرعي لاستخدامها. انظر الملاحظة حول التبريرات المبدئية والأخلاقية لـ “قانون المقاطعة”)
التبرير المبدئي لفرض المقاطعة
على عكس معارضي المقاطعة بسبب مسألة العقاب الجماعي، فإن من يدعمها يطرح ادعاءين رئيسيين.
1. المقاطعة هي نوع من المقاومة غير العنيفة وبهذا الشكل (بعكس الادعاء أعلاه) فهي تقلل على المدى البعيد من المعاناة التي ستحل بالجميع بسبب السياسات القائمة التي ستتغير نتيجة لها. المقاطعة مبررة عندما لا تكون هناك إمكانية لاتخاذ خطوات ديمقراطية أخرى لتغيير السياسة، وعندما تظل الخيارات المتوفرة أمام المقاطعين هي إما استخدام وسائل عنيفة، أو اللجوء إلى المقاطعة. جاءت المقاطعة في الأساس لتقدم حلاً في الحالات التي لا يمكن فيها تغيير نهج سياسي إشكالي من ناحية ديمقراطية بوسائل ديمقراطية، ولهذا فالبدائل المتبقية هي: إما الخضوع والتخلي عن الحقوق، أو المقاومة العنيفة للإجراءات غير الديمقراطية من جانب النظام، أو المقاومة غير العنيفة ضد القرارات غير الديمقراطية من طرف النظام.
فرضت دول الغرب على سبيل المثال، مقاطعة اقتصادية على جنوب إفريقيا في فترة التمييز العنصري، بعدما تبين لهم ان السود غير قادرين على تغيير سياسة التمييز ضدهم بوسائل ديمقراطية. استخدام وسيلة المقاطعة كان موجهاً بالطبع ضد واضعي سياسة التمييز، ولكنها اضرت بالجميع. ولكن مستوى هذا الضرر كان اقل بالنسبة للجماعات التي تعرضت للتمييز من مستوى الضرر الذي تسبب فيه التمييز نفسه.
2. الجميع مسؤولون عن الوضع السياسي – بعكس ادعاء “حومسكي” بأن المقاطعة تضر أيضاً بأشخاص غير مسؤولين عن الوضع ولذلك فهي غير شرعية، هناك من يدعي ان كل حالة سياسية هي مسؤولية جميع الأشخاص المشاركين فيها. الجماعات المتضررة من المقاطعة، وكذلك الجماعات المستفيدة والتي لا تتضرر منها، جميعهم مسؤولون عن الوضع. مواطنو دولة اسرائيل مسؤولون عن الوضع الاقتصادي وعن النزاع دون علاقة بأفكارهم الخاصة أو انتمائهم لجماعة أو لأخرى. ادعاء المسؤولية الشاملة فيه بعض اللإشكاليات، على الرغم من أنه يجد صداه في هذا السياق. دول الغرب تقاطع إيران مثلاً، وبهذا الشكل فإنها تتسبب كذلك بالضرر لمعارضي النظام الايراني. هذا الضرر مشروع لأن المعارضة والائتلاف الحكومي مسؤولون عن الوضع على حد سواء. المقاطعة في هذا السياق يجب أن تدفع النظام لتغيير سياساته، وأن تدفع المعارضة إلى تصعيد كفاحها ضد النظام.
هل المقاطعة مجدية؟
إلى جانب النقاش الدائر حول تبرير مبدأ فرض المقاطعة الاقتصادية السياسية على الدول او على مجموعات مدنية مختلفة، يدور نقاش حول مدى تأثير هذه الأداة على تغيير المواقف والأفكار والأوضاع السياسية. (يمكن لهذا النقاش أن يكون نقاشاً حول الجدوى فقط، ولكنه في الواقع تعدى موضوع الجدوى وصار نقاشاً مبدئياً يقوم على الموازنة بين الأضرار المتوقعة على المسؤولين وعلى غير المسؤولين عن السياسة المرفوضة).
رغم النجاحات التي ينسبها العامة لحالات المقاطعة التي فرضت عبر التاريخ، يتفق الباحثون على أن المقاطعة ليست مجدية بشكل كافي. يرى الباحثون انه في حالات عديدة تخلق المقاطعة الاقتصادية المفروضة على الدول التي تتبنى سياسات غير ديمقراطية، تحدياً أمام من تتم مقاطعتهم يدفعها إلى تأسيس اقتصاد أقوى من الاقتصاد السابق. مثال على ذلك القوة الاقتصادية الإسرائيلية في السنوات التي عانت فيها من مقاطعة الدول العربية لها. جعلت واضعي السياسات الاقتصادية في إسرائيل يدركون بأن عليهم تطوير اقتصاد قادر على الصمود أمام المقاطعة وهذا ما قاموا به بالفعل. خذ ايضاً ما حصل في كوبا نتيجة المقاطعة الاقتصادية الأمريكية عليها، وصناعة السلاح في جنوب أفريقيا بعد المقاطعة التي فرضت على نظام التمييز العنصري. (لأمثلة إضافية حول الموضوع انظر الملاحظة ).
كما وجد الباحثون أن مواطني الدول التي تتم مقاطعتها لا يميلون إلى تقبل النقد من الدول المقاطعة، بل يصرون على مواقفهم ويتطور لديهم شعور الضحية الذي يوحدهم معاً ضد المقاطعين. (فعلى سبيل المثال ترد دولة إسرائيل على مقاطعتها بتبني شعور الضحية وإطلاق لقب معاداة السامية على كل نوع من المقاطعة). يتوقع مؤيدو المقاطعة بأن الدول التي تتم مقاطعتها أو المنظمات التي تتم مقاطعتها ستشعر بأنها تنهار وهذا سيدفعها إلى تغيير سياساتها. ولكن الباحثين وجدوا أن علاقة السببية في هذا السياق معكوسة. فمثلاً يرى الباحثون بأن جنوب افريقيا لم تغير من سياسة التمييز العنصري نتيجة المقاطعة التي هددت اقتصادها بالانهيار، بل العكس، عندما كانت هناك خشية من انهيار اقتصادي كان للمقاطعة التي فرضت عليهم تأثير فعال.
كيف تتعامل دولة إسرائيل مع مسألة المقاطعة؟
لا تقيم دولة إسرائيل نقاشاً أساسياً ديمقراطيًا وأخلاقيًا حول مسألة المقاطعة كوسيلة لتغيير السياسات، بل نقاش تغلبه المصالح فقط. في أعقاب هذا النقاش، تم وضع قانون ضد المقاطعين لاسرائيل ولنشاطاتها (سواء من الخارج أو من الداخل). طريقة التعامل هذه تشكل خطوة أخرى في عملية تخريب النقاش الديمقراطي. يعتمد القانون على معاقبة من يعارضون السياسات الحالية لدولة اسرائيل وهو لا يتطرق للمسألة المبدئية حول هذه الوسيلة. هل يقصد المشرع بأنه ينبغي منع المقاطعة حتى في الحالات التي تصب في مصلحة إسرائيل؟ الاجابة كما ذكر هي لا. تسمح اسرائيل لنفسها بمقاطعة دول أخرى ولكنها لا توافق بأن تفرض عليها المقاطعة. هذا الموقف يطرح تساؤلاً حول النقاش المبدئي بأكمله وكذلك النقاش الديمقراطي الذي ينبغي أن يقوم عليه.
بالإضافة لذلك، تتغاضى دولة إسرائيل عن حقيقة أن الأقلية العربية في اسرائيل لم تكن ابداً شريكاً للحكومة ولذلك فلا يمكنها أن تؤثر على الواقع بشكل ديمقراطي يتساوى مع الأحزاب اليهودية. وكذلك الأمر بالنسبة لسكان الضفة الغربية الذين ليس بإمكانهم التأثير على القانون الإسرائيلي الساري عليهم أو على السياسة الإسرائيلية المفروضة عليهم. وبما أن هذه هي الظروف التي يتم فيها النقاش، فلا شك بأن النقاش حول المقاطعة ومشروعيتها، يجب أن يبدأ من شرعية استخدام المقاومة السلمية في الديمقراطية، وليس من النقاش الواسع حول حرية التعبير. إذ أن مناقشة المقاطعة من حيث حرية التعبير تضيع التساؤل الحقيقي وهو ليس إن كان ينبغي تقييد حرية التعبير أم لا، بل هل هناك ما يمكن فعله في حالات عدم المساواة في حرية التعبير وفي حالات التقييد غير الديمقراطي للتعبير الحر على قسم من المواطنين وكيف يتم ذلك؟
مقترح لنشاطات صفية: هل “قانون المقاطعة” شرعي وهل هو فعال؟
الأهداف:
1. فحص الاعتبارات الديمقراطية لإضفاء الشرعية على فرض المقاطعة الاقتصادية السياسية.
2. دراسة الاشكالية في استخدام المقاطعة كوسيلة للتعبير.
3. دراسة قانون المقاطعة والاشكاليات الديمقراطية فيه.
مراحل النشاط:
1. العمل في مجموعات تضم 4-5 مشاركين:
• تحصل كل مجموعة على حالة تاريخية تصف استخدام وسيلة المقاطعة لتغيير السياسة – سواء أكان مقاطعة خارجية على الدولة أو مقاطعة داخلية. يدرس أعضاء المجموعة الحالة ويصيغوا موقفاً حول مدى شرعية استخدامها.
• توزع نسخ من نص قانون الاسرائيلي على كل مجموعة ويطلب منهم قراءته قبل النقاش الجماعي.
(نص القانون: http://www.acri.org.il/he/wp-content/uploads/2011/07/boycottlaw.pdf)
2. النقاش الجماعي:
• تصف كل واحدة من المجموعات الحالة التي حصلت عليها وتعرض استنتاجاتها.
• يطلب من المشاركين دراسة القانون الاسرائيلي حول الموضوع وفحص مواقفهم بالنسبة للقانون ومقارنتها بالمواقف التي أبدوها بشأن وسيلة المقاطعة عندما تمحور النقاش حول حالات أخرى.
• يطلب من المشاركين صياغة قانون عام يغطي جميع الحالات.
قائمة حالات مقترحة تم فيها فرض مقاطعة على الدول:
• المقاطعة العربية لاسرائيل.
• المقاطعة التي فرضتها الدول الغربية على جنوب افريقياً في فترة التمييز العنصري.
• المقاطعة التي فرضتها الدول الغربية على ايران في فترة أوباما وحتى الآن.
• المقاطعة التي فرضها الامريكيون على كوبا في فترة الحرب الباردة.
• مقاطعة البي دي اس (BDS – Boycott, Divestment and Sanctions).