آخر تحديث في تاريخ 03/05/2018
مسي آيتسيك (*)
في طفولتي أحببت الأرقام جدًّا، وكانت تُعينني على نسيان ما أعانيه صعوبة اكتساب اللّغة العبريّة. كنت أحبّ ممارسة التمارين مع والدي، الذي علّمني حلّ المسائل الحسابيّة بطرق عديدة ومتنوّعة كان قد تعلّمها في إثيوبيا. في المدرسة، رغم أنّني توصّلت في الامتحانات إلى النتائج الصحيحة، لم تعطني المعلّمة علامة مساوية لبقيّة الطلّاب، بل كانت تطلب منّي الجلوس إلى طاولتها وإعادة الامتحان؛ وتشرح لي أنّ عليّ حلّ المسائل بالطرق التي علّمتنا إيّاها. منذ ذلك الحين لم أستخدم طرق والدي.
عندما وصلت السنّ التي تم تقسيمنا فيها إلى مجموعات، فوجئت بأنّني رغم تفوّقي في الرياضيّات لم أوضع ضمن مجموعة المتفوقين. شرحت لي المعلّمة أنّه لا مجال لنقلي إلى مجموعة أعلى، وأنّها فعلت ذلك لأجل مصلحتي، لكي تتيح لي تذوّق تجربة النجاح.
هذه الحادثة جعلتني أدرك أنّ الرياضيّات لم تكن حياديّة يومًا: مجال الرياضيّات وطريقة تدريسه، كلاهما يعكس علاقات القوى وقيم وسرديّات الأيديولوجية المهيمنة. في مدرستي، كان النجاح في الرّياضيّات مقتصرًا على جماعة معيّنة من الناس، ولم أكن أنا ضمن هذه المجموعة.
يؤثّر “البياض” على تصوّر قدرات الطلّاب والطالبات في الرياضيّات. تعلُّم الرياضيّات يديم ويُكرّس الامتيازات “البيضاء” ويعمّق الفجوات بين المجموعات. عندما نقرأ في الجريدة مرارًا وتكرارًا عن مستوى تحصيل متدنٍ ٍّ لدى الإثيوبيين في إسرائيل، فلا بدّ أن يتغلغل هذا الانحياز تدريجيًّا في أوساط المعلّمين والمعلّمات، وأن يؤثر على سلوكهم وتوقّعاتهم وبالتالي يعمّق الفجوات. من يتمتّعون بامتياز البياض يحظون منذ مرحلة التعليم الابتدائي بممارسة تمارين رياضيّة محْكمة وجوهرية أكثر، وفي ما بعد يصبح من الصعب تقليص الفجوة الناجمة عن ذلك. كذلك في مسألة الجندر وُجدت انحيازات سلبية لدى المعلمين تجاه طالبات، مقارنة بالطلاب، وهذا أثبتته أبحاث إديت ساند وفيكتور ليفي.
في كتاب “دروس للحياة”، الصادر عن جمعية حقوق المواطن، تقول د. جاليا زلمنسون ليفي: “لو طلبنا من ضيفة جاءت من كوكب آخر أن تطالع قبل مجيئها إلى كوكبنا كتب الحساب والرياضيات وأن تحاول وصفنا وفقًا للمضامين والرسومات التوضيحية في هذه الكتب… لوصفت ضيفتنا كوكبًا فيه فتيان كثيرون وفتيات أقلّ، جميعهم يهود بيض يسكنون في منزل جميل له حديقة… النساء – اللّواتي يسمّين أمّهات- يخبزن ويشترين لوازم الطبخ والخبيز، والرجال يعملون ويمارسون الرياضة ويعتنون بالحديقة… هذا هو عالم مضامين كتب الرياضيات، بدءًا من البساتين وحتّى امتحانات البجروت والبسيخومتري”.
المعلمات/ـون في المدارس، والمحاضرات/ـون في الجامعات، ينبغي أن يدركوا السياسة المستترة داخل الرياضيات: من الذين يُعترف بأنّهم طوّروا الرياضيات؟ من هم القادرون/ات على ذلك؟ من يُعتبر جزءًا من الجماعة الرياضيّة؟ من هو الحاضر في كتب التعليم ومن الغائب عنها؟ جميع هذه الأسئلة مهمّة لأجل تطوير فلسفة تعليم قادرة على إصلاح التشوّهات القائمة. يجب أن يركّز مثل هذا البحث التربويّ- التعليميّ على كشف الآليّات الفاعلة وتفكيك الأفكار السلبية لدى المعلمين بخصوص الطلّاب أبناء جماعات الأقلّية؛ وفي المقابل ينبغي تفكيك المشاعر السلبية وإحساس هؤلاء الطلاب بدونية قدراتهم.
هنالك إشكاليّات ومغالطات في وجهة النظر القائلة بأنّ الرياضيّات موضوع حياديّ ثقافيًّا. الرياضيّات التي يعلّمونها في المدارس مؤسّسة بمعظمها على الثقافة الأوروبية. مثال واضح على ذلك هو نظريّة فيثاغورس الشهيرة، التي تعلّمناها جميعًا رغم وجود عدد لانهائيّ من البراهين الرياضيّة منذ العصور القديمة – من مصر وبابل والهند والصين. كما أنّ الطلّاب العرب في إسرائيل يتعلّمون ويتعاملون مع مفاهيم رياضية مؤسّسة على لغة باحثي التنوير الأوروبي، مع أنّ أجدادهم تحدّثوا عن المواضيع نفسها قبل ذلك بـ4000 سنة.
لماذا يهمّني أن أشارككم ذكرياتي الشخصية عن دروس الرياضيّات خصّيصًا في اليوم العالمي لمكافحة العنصرية؟ لأنّ الرياضيّات تعتبر “ملكة العلوم”، ومستوى التحصيل في هذا الموضوع يحدّد التصنيفات ويؤثّر كثيرًا على القبول للجامعات والكلّيات المهمّة. ولكن أكثر من ذلك، لأنّ تعليم الرياضيات يُعتبر أمرًا حياديًّا خاليًا من الآراء النمطيّة المسبقة والانحيازات الاجتماعية. لا توجد عنصريّة أخطر من العنصريّة المكشوفة في مجال نعتبره جميعًا حياديًّا. على المعلّمين/ات في المدارس، والمحاضرين/ات في الجامعات أن يَعوا أنّ في الرياضيات سياسة، وأنّها تعمل على حفظ علاقات القوى القائمة؛ وعليهم بالتالي أن يتحمّلوا المسؤولية عمّا يقومون به من مسّ فظّ بفرص نجاح من يُعَدّون خارج طبقة معيّنة، أو خارج أصل أو قومية أو جندر ما. فقط بمثل هذا الوعي الشجاع والصّادق تتاح فرص عادلة لجميع التلاميذ.
(*) مسي آيتسيك، مركّزة التربية ضدّ العنصريّة في قسم التربية والتعليم، في جمعيّة حقوق المواطن.