خلود إدريس وياعيلا مازور
في هذه الأيام العصيبة، يبذل جهاز التربية والتعليم قصارى جهوده لمواجهة خطر الكورونا، وينتقل إلى طريقة التعلّم عن بعد. تكشف هذه الأزمة الستار عن الفجوات العميقة القائمة في المجتمع الإسرائيلي بشكل عام، خاصةً بين جهازيّ التربية والتعليم العربي والعبري. على ما يبدو، عندما يعمل النظام في حالته الافتراضيّة فإنّه لا يكون موجّهًا من البداية للاهتمام بالطلاب والعائلات من المجتمع العربي، ولذلك فهو يخطئ ثلاث مرّات على الأقلّ:
أولًا، مع أنّ جهاز التربية والتعليم العربي يخدم حوالي رُبع الطلاب في إسرائيل، إلّا أنّ معظم المضامين في مواقع وزارة التربية والتعليم التي يجب أن تخدم جميع الأهالي والطلاب تكاد لا تكون مترجمة للعربية. على سبيل المثال، البوابة المخصّصة للأهالي وتلك المخصّصة للطلاب واللتين تحتويان على معلومات كثيرة حول المواضيع المختلفة المتداولة عادةً وتلك المتعلقة بحالة الطوارئ خاصةً- متوفّرتان باللغة العبرية فقط. حتى البوابة التربوية- التي تحتوي حاليًا على الدروس الإلكترونيّة المعدّة للتعلّم عن بعد- غير متاحة بالكامل باللغة العربية. مع أنّ البوابة تحتوي على بضعة دروس بالعربية، إلّا أنّها تتطلّب وجود شخص يجيد قراءة العبرية، الأمر الذي لا يمكن للأطفال العرب في المرحلة الابتدائيّة القيام به بمفردهم. في بحثٍ أجرته جمعية سيكوي، وُجد أنّه صحيح لموعد كتابة هذه المقالة، فإنّ كمية المواد التعليمية المتاحة على شبكة الإنترنت للطلاب في جهاز التربية والتعليم العبري تضاعف كمية المواد المتاحة لطلاب جهاز التربية والتعليم العربي (10 مقابل 5). زد على ذلك، يفتقر جهاز التربية والتعليم العربي منذ سنوات لمفتّش قطري عربي لموضوع حوسبة جهاز التربية والتعليم. نتيجة لذلك، هناك عدد قليل من المعلّمين العرب المهيّئين حاليًا، في ظل هذه الأزمة، لإدارة التعلّم عن بعد، وهناك نقص في التدريبات للمعلمين العرب، الملاءَمة لاحتياجاتهم العينية.
ها هو جهاز التربية والتعليم يخطئ مرة ثانية، فلإنجاح التعلّم عن بعد، هناك حاجة لموارد مادية، مثل حاسوب لكل ولد، وبنية تحتية إنترنتيّة قويّة. منظومة التعلّم في حالات الطوارئ لا تأخذ بالحسبان المعوقات ذات الصلة، لذلك، فإنّها لا تطرح حلولًا ملائمة. على سبيل المثال، الفجوة الرقميّة بين المجتمعين العربي واليهودي هي حقيقة قائمة التي يجب التعامل معها في الوقت الحالي: هناك فجوات اجتماعيّة-اقتصاديّة بين المجتمعين وهناك فجوات عميقة في جودة البنى التحتيّة المحوسبة والإنترنتيّة بين العديد من البلدات العربية واليهوديّة- ممّا يؤثّر على القدرة على التعلّم عن بعد. الوضع صعب للغاية لدى طلاب القرى مسلوبة الاعتراف في النقب- كيف يمكنهم التعلّم عن بعد إذا كان معظمهم يفتقرون للكهرباء وللبنى التحتية الإنترنتيّة البسيطة؟ في مجتمع يفتقر لعدد كاف من الحواسيب، يزداد استخدام الهواتف الذكية. في مسحٍ أجرته دائرة الإحصاء المركزيّة، أفاد %71 من المواطنين العرب بأنّهم يتصفحون الإنترنت بواسطة الهاتف، بينما أفاد %43 فقط بأنّهم يستخدمون حاسوبًا منزليًا (مقابل %77 من المواطنين اليهود)، ولكن حتى موعد كتابة هذه المقالة، فإنّ معظم المضامين غير ملائمة للتصفّح عبر الجهاز الخلوي. لقد أمكن حلّ جزء من المشكلة بواسطة مشروع “حاسوب لكلّ ولد”، الذي خُصّصت له ميزانيات من قَبل- ولكنه جُمِّد بسبب الانتخابات. يتعيّن على وزارة التربية والتعليم ملاءمة المضامين بشكل كامل للاستخدام عبر الهاتف الخلوي وعلى المدى البعيد وإعادة تفعيل مشروع “حاسوب لكلّ طفل”.
بالرغم من الجهود الواضحة لإيجاد حلّ سريع ونوعيّ للتعامل مع الجانب التعليميّ لأزمة الكورونا، إلّا أنّ هذه الحلول تنظر إلى واقع حياة الطلاب من منظور ضيق جدًا الذي لا يتطرّق إلى واقع واحتياجات غالبية أبناء المجتمع العربي.
في وقت يعيش فيه أكثر من %60 من الأطفال العرب في فقرٍ (مقابل %20 من الأطفال اليهود)، وتشكّل فيه العائلات العربيّة قرابة %40 من العائلات الفقيرة في إسرائيل، فإنّ التركيز على منظومة تعلّم عن بعد باللغة العربيّة يبدو عبثيًا. يجب التشاور مع المسؤولين في جهاز التربية والتعليم العربي، ومع لجنة رؤساء السلطات المحلية العربيّة ولجنة متابعة قضايا التعليم العربي حول كيفية تعزيز الدعم للطلاب العرب والعائلات العربية بطرق أخرى ومبتكرة، ولكن ليس عبر الشاشة فقط، إنّما من خلال إنتاج مواد تعليميّة مطبوعة للأحياء والبلدات المهمّشة حيث أنّ منالية الإنترنت محدودة جدًا، تمويل مواد الفعاليات الإبداعية، توزيع كتب للأطفال والشبيبة وتقديم دعم إضافي للأهالي المتواجدين في المنازل والذين يعايشون خوفًا مستمرًا من عدم الاستقرار.
ندعو أيضًا مدير عام وزارة التربية والتعليم للتعهّد بإحداث تغيير طويل الأمد- تكشف هذه الأزمة الستار عن عمق الفجوات في البنى التحتية وفي الميزانيات في الوضع العادي، ويجب السعي لسد هذه الفجوات.
التربية والتعليم هما أساس المواطنة المتساوية، وبهذه الطريقة فقط يمكننا بناء مجتمع مشترك ، متساو حقيقي.
خلود إدريس هي مديرة مشاركة لقسم المجتمع المشترك في سيكوي، الذي يعمل على تعزيز المساواة والشراكة بين المواطنين العرب واليهود. ياعيلا مازور هي مركّزة مشروع التربية للحياة المشتركة في الجمعية.