التشهير عبر الانترنت – أداة لتصحيح الظلم و/أو إعدام دون محاكمة في ميدان عام؟: اضغط هنا
ما هو التشهير – “شيمنغ”؟
التشهير Shaming هو ظاهرة يتم فيها التشهير بإنسان أو مجموعة او اسم تجاري أياً كان عبر الانترنت وخصوصاً عبر الشبكات الاجتماعية.
“شيمينغ” أو التشهير العلني، هو كشف معلومات وتفاصيل شخصية حول شخص محدد بغرض تحقيره، أو الإساءة إليه أو السخرية منه، أو إدانته هو أو تصرفاته، أو إنتقاده والتقليل من شأنه. نشهد في السنوات الاخيرة ارتفاعاً حاداً في حجم ونسبة ظاهرة التشهير عبر شبكة الانترنت، يتم خلالها استعمال الحواسيب والهواتف الخلوية ووسائل تكنولوجية أخرى تقوم على شبكة الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي كمنطلق لتوثيق واعلان ونشر هذه المعلومات. يمكن أن تكون هذه المعلومات على شكل صورة أو فيلم أو نص، بحيث توثق وتعرض على المشاهد اخطاء وشواهد شخصية هي في نظر الناشر تعدياً على التقاليد والقواعد الاجتماعية والتوقعات وتستحق النقد الجماعي، مع كشف تفاصيل خاصة ومعلومات شخصية حول ذلك الشخص.”
لظاهرة التشهير آثار شخصية وإجتماعية وسياسية. في هذا المنشور سنحاول ان نطلع بايجاز على الجوانب السلبية لهذه الظاهرة وعلى طرق التعامل معها وكذلك الحديث حول امكانيات استعمالها لدعم اهداف ذات قيمة ايجابية.
الآثار الشخصية والاجتماعية والسياسية لظاهرة التشهير على الشبكة
تؤثر ظاهرة التشهير على الاجراءات القضائية العادلة في الديمقراطية – للاجراء القضائي العادل مكونات عديدة، بما يتعلق بظاهرة التشهير، تجدر الاشارة إلى عدد من المبادئ الاساسية لهذا الاجراء والتي ترد في ميثاق حقوق الانسان للامم المتحدة، وفي تشريعات جميع الدول الديمقراطية:
• المادة 10: لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه.
• المادة 11: ( 1 ) كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه. ( 2 ) لا يدان أي شخص من جراء أداة عمل أو الامتناع عن أداة عمل إلا إذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب، كذلك لا توقع عليه عقوبة أشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكاب الجريمة.
• المادة 12: لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات. .
التشهير عبر الانترنت وعبر الاعلام الاجتماعي يمكنه ان يضر بشكل عام بجميع المبادئ التي ذكرت أعلاه وهناك من يشبه الامر بنوع من “عدالة الشارع” والذي يقوم به العامة بحق أشخاص او شركات لم تثبت إدانتهم، ولم تتم معاقبتهم وفقاً للقانون، وتم الحكم عليهم بشكل اعتباطي دون أخذ المخالفة التي ارتكبوها بالحسبان، واحيانا دون ان يرتكبوا أي مخالفة أصلاً.
ظاهرة التشهير يمكن أن تسيء لكرامة الاولاد والبنات، والمراهقين والنساء والرجال
المتابعون لشبكة الانترنت يجدون ان مستخدمي الشبكة يقومون بذلك بشكل متطرف من أجل الاعتداء على كرامة اصدقائهم. هم يستعملون الشبكة بهدف الانتقام من الاصدقاء الذين أساءوا اليهم، وهم يستخدمون التشهير من أجل إقصاء مجموعات مختلفة عن المجال الذين ينتمون اليه وأحياناً يحقرون اصدقاءهم بدافع المزاح، ولكنها لا تفهم بهذا الشكل. الاساءة لأشخاص عبر الشبكة دون الافصاح عن الهوية، يسمح للمسيء/ة ان يكون محمياً من رد الفعل وبهذا يتنصل من تحمل المسؤولية عن أفعاله. المتضررون في المقابل لا يستطيعون حماية سمعتهم. الانسان او الانسانة الذين يتعرضون لعملية التشهير، يتم كشفهم على الملأ، دون أن يكونوا معروفين مباشرة للعديد ممن قرأ التشهير. وليست لديهم اي قدرة على الدفاع عن سمعتهم لأنهم لا يستطيعون تحديد اولئك الذين اطلعوا على الادعاءات التي نشرت ضدهم .
تؤدي ظاهرة التشهير في حالات متطرفة إلى انتحار المتضررين او تسبب لهم اضراراً نفسية حادة
تظهر الأبحاث أن الاساءة الواسعة بسمعة وخصوصية وحق الاخرين في معاملة عادلة، يسبب لهؤلاء الناس أحياناُ اضراراً شديدة، يؤدي الى إقدامهم على الانتحار. مقابل ذلك هناك من يدعي ان عملية التشهير لا يمكنها أن تقود إلى الانتحار، ولكن يمكنها دون شك ان تزيد من الدافعية لدى من يميلون للانتحار أصلاً. احدى الدراسات أجريت على يد جون رونسون (Jon Ronson) وظهرت في مقالة لنعمي دروم:
“إذا ما هو السيء في عملية التحقير؟ – يرى جون رونسون في إذلال الانسان في الشبكات الاجتماعية اداة جدية وفعالة لتصحيح الاخطاء الاجتماعية وتطبيق العدل. ولكنه حين بدأ بدراسة ظاهرة ال”شيمينغ” (التشهير العلني) اكتشف انه في معظم الحالات يدور الحديث عن خطأ صغير يقود إلى دمار يصعب ترميمه وقد يستحيل بتاتاً. هكذا تحولت الشبكة الاجتماعية من منبر لمكممي الافواه إلى عملية قتل جماعي دون رحمة في ساحة المدينة”.
مجمل الادعاءات التي أوردناها تدفع العديد إلى رفض ظاهرة التشهير (شيمينغ). ولكن يمكن ايجاد منظرات ومنظرين، وناشطات وناشطين اجتماعيين يرون فيها وسيلة شرعية للتعبير للمجموعات الضعيفة اقتصادياً أو على أساس قومي أو جندري.
سنفحص ادعاءات كل واحدة من المجموعات الضعيفة المذكورة والطرق الخاصة التي يتبعونها لحماية حقهم في التشهير عبر الانترنت.
الادعاءات المتعلقة بالجندر في احقية التشهير عبر الانترنت
أساس النقاش في معضلة التشهير من وجهة نظر النساء متعلقة بموضوع نشر اسماء المتحرشين او المتحرشات جنسياً، قبل مثولهم امام القضاء. النساء اللواتي يؤيدن نشر اسماء المتحرشين قبل الحكم عليهم مدركات لحقيقة أن اعلان اسماء المعتدي كما يبدو يسبب الكثير من الضرر له ولسمعته الجيدة ولعائلته، ومع ذلك فهن يدعين ان هذا التسبب بالضرر مشروع اذا ما نظرنا إلى علاقة القوة التي تقوم عليها العلاقة بين النساء والرجال.
بحسب ادعائهن، فإن علاقة القوة الاجتماعية الموجودة تحرم النساء اللواتي تعرضن للتحرش من الحصول على محاكمة عادلة في كل مرحلة من مراحل عملية علاج الاعتداء الذي تعرضن له ولذلك فعليهن إيجاد طرق أخرى لا تخالف القانون، ولكنها ايضاً ليست جزءاً منه، من أجل احقاق العدل. التشهير عبر الانترنت هو احد هذه الطرق. (مثال في المقال عبر الوصلة: تريدين احقاق العدل: شهري به. ليست هناك طريقة أخرى).
تصريحاتهن حول علاقة القوة التي تؤثر على الاجراءات القضائية العادلة لحماية النساء هي على سبيل المثال: من الصعب على النساء اثبات الاعتداء الجنسي الذي تعرضن له، بسبب وجود صعوبة في احضار ادلة تثبت الاصابة، ولأنه في العديد من الحالات يمكن ان تعرض الحالة كـ “لقاء بين بالغين” خلال النقاش القانوني. اقوال المتهم امام المجني عليها تحصل على نفس القدر من المصداقية التي تحصل عليها اقوال المجني عليها. كما تمتنع النساء عن تقديم شكوى في الشرطة، بسبب خشيتهن من أن تتسبب الاجراءات في اهانتهن والاساءة إلى كرامتهن. وهن يمتنعن عن تقديم شكوى لأن المحكمين ومطبقو القانون بأغلبهم من الرجال ولذلك فهن لن يحصلن على محاكمة عادلة. كذلك، عندما يدور الحديث عن النساء فهن يمتنعن عن تقديم شكوى ضد المشغلين المتحرشين خوفاً من قطع مصدر رزقهن. كل هذه هي ادعاءات لها أسس بحثية وغيرها.
من اجل توفير الحل لهذه المشاكل، فهن يستخدمن التشهير بالمتحرش عبر الفيسبوك. هذه العملية تقدم حلاً لمعظم المشاكل التي تم ذكرها. فهذا ينقل الاهانة من النساء إلى الرجال، وهو يشكل رادعاً اجتماعياً امام الاعتداء الجنسي على النساء، وهو يسمح بتجاوز استخدام المشغلين لسلطتهم من أجل منع الدعاوى القضائية ضدهم، ويؤسس معايير اجتماعية جديدة ويصنع نظاماً ذي قوة لا يستهان بها. تضيف النساء اللواتي يؤيدن ظاهرة التشهير، ان نشر اسماء المشتبه بهم بالاغتصاب او التحرش الجنسي يشجع نساء أخريات على التقدم بشكواهن للشرطة، وبذلك يزيد من احتمال حصولهن وزميلاتهن على متابعة عادلة لتوجهاتهن. فهكذا مثلاً أقيم مشروع خاص لنشر اسماء المغتصبين والمعتدين جنسياً من أجل ان تتمكن النساء على إيجاد اسس للدعاوى التي يقدمنها في المحاكم:
“من ناحية قضائية / شرطية – من الصعب اليوم اثبات العنف الجنسي لأن القضية في العادة تتمثل بروايتها ضد روايته ولا توجد اثباتات اضافية يمكن الاعتماد عليها في المحكمة. لا توجد براهين. ولكن امرأتين لا تعرف احداهن الأخرى تتقدمن بشكوى حول عنف جنسي ضد نفس المعتدي يشكل اساساً قوياً يثبت ادعائهن. شكوتان مختلفتان تساعدان في اثبات أن المشتبه به هو شخص عنيف جنسياً وفي أكثر من حالة واحدة وهذا الامر يعزز ادعاء المرأتين.”
تجدر الاشارة إلى استراتيجية عمل اضافية تتبناها النساء عبر الشبكة من أجل التعامل مع علاقة القوة غير المتساوية بين النساء والرجال. تحاول النساء المشاركات فيها ان تعكسن عملية التشهير. من أجل حماية أنفسهن من الشعور بالذنب بعد التعرض للاغتصاب، فهن يكشفن عن هويتهن بشكل جماعي وصريح ويتحدثن عن تجربتهن الجماعية بلسان الجمع. يمنح كشف القصص بشكل جماعي شعوراً بالقوة من ناحية ويعزز لديهن فكرة أنه ليس لديهن من سبب لإخفاء ما مررن به. وبهذا تصل الرسالة بأن الوحيدين الذين عليهم ان يشعروا بالخجل وان يتواروا عن الانظار هم المعتدين. ويتم ذلك بخطوتان، الأولى بنشر قصصهن والثانية بفضح المعتدين. كل ذلك عبر الشبكة وبشكل مكشوف وواسع . تجدر في هذا السياق الإشارة إلى تقرير للقناة الثانية تحدثت فيه وبشكل صريح تسع عضوات كنيست عن التحرش الجنسي الذي تعرضن له خلال حياتهن وذلك كرسالة للنساء لتشجيعهن على الابلاغ والتقدم بالشكوى، واقناعهن بأنه ليس هناك ما يخجلن منه أو يتوارين بسببه .
الاسباب الاقتصادية للحق في التشهير
استعمال التشهير في المجال الاقتصادي له جوانب مختلفة. التشهير الاقتصادي موجود من ناحية من أجل التسبب بالضرر للمنافسين الاقتصاديين ومن ناحية أخرى من أجل كشف استعمالات غير شرعية من الشركات التجارية للسلطة التي يمتلكونها. تقوم شرعية استعمال التشهير الاقتصادي هي ايضاً على ادعاء وجود حالة من علاقة القوة ووجود توسع في الفجوات الاجتماعية بين معظم دول العالم وداخل الدول أنفسها، فالقوة الاقتصادية والقوة السياسية تتشاركان لزيادة سطوتهما عبر الاعلام من أجل تحقيق أهدافها. والتعاون بين اصحاب رؤوس الأموال والسلطة المنتخبة، يترك المجموعات الضعيفة اقتصاديا في وضع ضعيف جداً، وأحد الحلول الممكنة المتوفرة لهذه المجموعات هو الانترنت. واحدى الطرق الوحيدة للتسبب بالضرر لاصحاب القوة في حال انعدام العدل هو التشهير.
هذا الموقف يتعرض بالطبع لمقاومة شديدة من قبل رجال الاعمال الذين يسبب لهم التشهير ضرراً بسمعتهم وخسائر مالية. وبناء على ذلك فهم ينصحون بمحاربة هذه الظاهرة عبر النظام القضائي أو بوسائل تكنولوجية. .
الاسباب القومية للحق في التشهير
تستعمل مجموعات قومية وعنصرية الشبكة أحياناً من أجل التحريض على مجموعات الأقلية القومية. يأتي التحريض على شكل منشورات، أو تعليقات غير مقيدة، وصفحات “بلوغات” كاملة مخصصة لهذا الغرض وغيرها. هناك محاولات مختلفة تتم من أجل التعامل مع هذه الظاهرة ومنها المطالبة بفرض رقابة على الشبكة، يمكن للرقابة أن تكون بيد الدولة، او بدلاً عن ذلك بيد فيسبوك أو أصحاب الشبكات الأخرى. اقتراحات من هذا النوع قدمها مؤخراً الوزير أردان، والذي طالب بحجب استعمال الفيسبوك في مناطق الضفة من أجل منع التحريض على القيام بالعمليات العدائية. وقد يتصور البعض أنه بسبب الاستعمالات العنصرية للشبكة ضد مجموعات قومية، سيؤيد السكان المنتمون للاقليات الوطنية فرض رقابة من هذا النوع، إلا أنهم وأنتم أيضاً واخرون من الاغلبية القومية لا يعارضون غالباً استعمال التشهير.
في جميع الدول القومية يمكننا أن نجد أكثرية مسيطرة لها اهداف قومية مشتركة، أمام اقلية قومية ذات قوة سياسية واعلامية ضعيفة متوفرة خدمتها. ونظراً لأن القانون يوضع من قبل الاغلبية، فإن التشريعات توفر احياناً كثيرة حماية أفضل لأفراد الاكثرية القومية مقارنة بالاقلية. ومن أجل معادلة ميزان القوى هذا، تستعمل الاقلية الانترنت من أجل أن تعرض آراءها ضمن الدولة القومية وخارجها. ولكن ما هي العلاقة بين تعبير الاقلية عن مواقفها وبين ظاهرة التشهير؟ يأتي التشابه بين الأمرين في أن ما يحتسب لدى مجموعة قومية معينة في اطار التعبير الانساني والشرعي المهم، يمكن أن يعتبر بالنسبة لقومية اخرى اعتداءاً وتشهيراً. فمثلاً نشر معلومات حول النكبة الفلسطينية ترى فيه الاقلية العربية تصريحات شرعية حول ألامهم بعد خسارتهم الحرب عام 1948، بينما هو في نظر قسم كبير من المجتمع اليهودي اعتداء وتشهير بسكان الدولة من اليهود. وبما أن التشهير هو ظاهرة غير موضوعية وبانعدام الحق في الشعور بالإهانة في نظر مجموعات الاقلية، تستعمل مجموعة الاقلية الشبكة من أجل نشر مواقفها حتى لو تم اعتبار ذلك تشهيراً من قبل مجموعة الأغلبية.
ما هي الاستنتاجات التربوية لفهم الجوانب السلبية العديدة لظاهرة التشهير وما هي استنتاجات جوانبها الايجابية؟
• أولاً على الطلاب ان يتعرفوا على المعلومات المتعلقة بتعقيد هذه الظاهرة.
• ثانياً – على الطلاب ان يفحصوا استخدامات الاعلام في نطاق الأدوات الاخلاقية.
• ثالثاً – يجب ان يتعلم الطلاب عن القانون المتعلق بهذه المعضلات في اسرائيل وفي دول اخرى كي يتمكنوا من استخدامه عندما يتعرضون للاعتداء، او تعزيز التفكير النقدي في مواجهته، أو في حال كانوا لا يرون انه ذي علاقة في حل المشكلات التي تنجم عن ظاهرة التشهير.
• ورابعاً – خلق معايير مشتركة لاستخدام الشبكة على أساس الحق في الاحترام والخصوصية والسمعة الحسنة، وكذلك المساواة عندما يتعلق الموضوع بعلاقة قوة غير متساوية.
يجب على كل نقاش ان ينطلق من إدراك ان لهذه الظاهرة آثار شخصية وقومية ودولية وقانونية ومعيارية وغيرها.
فعاليات اضافية حول الموضوع التشهير / “شيمينغ” يمكن الاطلاع عليها في كراسة
“قوة الكلمة” عبر الرابط: هنا