في الـ 21 من اذار من كل عام يتمّ إحياء اليوم العالمي للكفاح ضد العنصرية. في هذه المرة يتمّ ذلك وفي الخلفية وباء الكورونا الذي انتشر في كل أرجاء العالم. إن تأمّل الوباء في هذا السياق، سيُتيح لنا أن نفهم بشكل أفضل أبعادا مختلفة للعدوانية المتعلّقة بالعنصرية وبالكفاح للقضاء عليها.
في الجانب السلبي، يُمكننا أن نرى في البلاد والعالم اتهامات كاذبة على أساس عنصري نُشرت في شبكات التواصل الاجتماعية. في البداية اتجاه الصينيين، ومن ثمّ اتجاه الآسيويين عموما، وكجزء من موجة ردّ الفعل لاتهام عام اتجاه شعوب أو مناطق في العالم. جاء هذا، وليس صدفة، اتجاه اللاجئين، الأفارقة، اليهود وغيرهم. حدود العنصرية غير واضحة في حالات الأزمة. وعندما يتمّ توجيه التهمة لمجموعات مغايرة فإن العنصريين يميلون إلى توجيه التهمة للمجموعات التي يكرهونها أكثر من غيرها، والموجودة بجوارهم. وكما كتبت نوعمي كلاين، فإلى جانب حماة البيئة الراديكاليين هناك بيئيون فاشست، يتهمون “الآخرين” بالمسؤولية عن تردّي الأوضاع في العالم. هذا على الرغم من أن بعض الحكومات الوطنية، وفي إطار خطوات مواجهة الوباء، أغلقت حدود دولها. مثل هذه الإجراءات يُمكن أن تحوّل “الآخر” عبر الحدود إلى العدو الاحتمالي. علاوة على ذلك، في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بُلدان أخرى يُشكّل وباء الكورونا، وبأثر رجعي تبريراً، للقومجية وكراهية الغرباء. وفي إسرائيل، وعلى نحو مشابه، يشكل الوباء حجّة لفرض إغلاق على الضفة الغربية وغزة، وإقرار بأثر رجعي لواقع قائم منذ عشرات السنين. من المهم أن نذكر في سياقات كهذه، أن المُستعضعفين في المجتمع ضحايا الإقصاء، الفقراء، العاطلون عن العمل، أناس هم عُرضة للقمع دائما ـ هم الأكثر عرضة للأذى في وضع كهذا. فقد كانوا مُهملين وضحايا إقصاء من قبل، فتعمّق الأزمة الحالية السيروات التي عانوا منها في السابق.
ومع ذلك، وبالرغم من اثمان الأزمة، من المهم جدّا في الجانب الإيجابي كشف هشاشة البشرية وكونها عُرضة للأذى وذلك لغرض فهم معمّق لمعنى أن تكون إنسانًا. عندما يُربوننا، خاصة الجيل الشاب، أن حياة الوفْرة، الاستهتار بحياة الناس والفردانية بوجه خاص، هي ظواهر ثابتة لا تتغيّر، يأتي الوباء ليوضّح كوننا بني آدمين. الإنسان ـ من لحم ودم، نفس ووعي، مخلوق معرّض للأذى، ينبغي أن يُفكّر ليس فقط بنفسه بل أن يكون جزءًا من آخرين، مهما يكونوا، العائلة، الأصدقاء، الأولاد، المسنون المستضعفون. كلّنا نعيش ضمن منظومة علاقات وكلّنا ملتزمون ليس فقط تجاه أنفسنا كأفراد، بل تجاه كل إنسان آخر بوصفه كذلك. نحن ملزمون بذلك كي نستطيع البقاء بأنفسنا وكي يستطيع الآخرون، أيضا، البقاء. بهذه المعاني، فإن كل الفعاليات التي نقوم بها، من الحفاظ على رفاهية المسنين وسولًا إلى إيجاد بدائل للأولاد كل يوم، تعلّمنا أنه لا مناص من التعاون لمنع الوحدة. ونحن نشهد أمثلة على ذلك في كل العالم، وكل فعالية تضامنية تُثير مشاعرنا لأنها تقلّل من الوحدة.
علاوة على ذلك، يعلّمنا وباء الكورونا أنه بالرغم من الاختلاف اللغوي بيننا، فليس هناك فوارق بيولوجية جوهرية بين بني البشر. مهما تكن الحدود بيننا، لون بشرتنا، ثقافتنا وما إلى ذلك ـ كلّنا عُرضة للوباء وكلّنا يُمكن أن نعاني منه بالاحتمال. كلّما تعمّقنا أكثر، سنكتشف كم هي العنصرية اختراع عبثي لا أساس له. الوباء يعلّمنا أننا جميعا متساوون أمامه، وهذا الفيروس، ككل مرض، لا يقبل ولا يعمل بموجب نظريات عنصرية.
في هذا المستوى أو ذاك، فإن الوباء يشكّل اختبارًا للإنسانية من حيث سلّم أولوياتها، قِيَمها والإتيكا (القواعد الأخلاقية) التي تعتمدها. حتى لو أن قسما فقط من الناس توصّلوا إلى استنتاج أن عليهم أن ينقدوا الواقع ويغيروه، فإن الكورونا تقوّض الأسس الصميمية للبشرية. ما الأهم: ثقافة الاستهلاك أو إلى أي حدّ نحن مخلوقات عابرة وأن على كل إنسان أن يجد معنى لحياته؟ ما الأهم:
مهنة مُدهشة أو حياة ملؤها العافية؟ هل حقوق الأقوياء تساوي أكثر، أو هي حقوق الجميع؟ مثل هذه الأسئلة مبادئ أساية لفهم أعمق ما هو ألأهم لحياة الإنسان. وفي هذا السياق، فإن الحديث عن حقوق الإنسان بمعناها الاجتماعي السياسي ـ ليس القانوني فحسب ـ مركزيّ للحوار بين بني البشر. وهذا ليس ترف “ما بعد الوباء”، بل هي مسألة تطرح نفسها الآن بحدّة.
وجُملة بخصوص المُستقبل: لا أشكّ في أن القوى المحافظة والذين يرفضون الإقرار بحقوق الإنسان بشكل عام، والحقوق الاجتماعية والمناهضة للعنصرية بوجه خاص، سيرفعون رؤوسهم بعد الوباء بحجج مختلفة وغريبة. وباء الكورونا يُمكن أن يكون تبريرا ـ كما يحصل في إسرائيل ـ لقضم أسس الدمقراطية، حقوق المواطن، وبشكل خاص حقوق المواطن لـ”الآخر”. لئلا ننسى، إننا نواجه وباءً عالميًا يعمل بما يُناقض منطق النيو ـ ليبرالية والعولمة الاقتصادية. من هنا فإن السياسة الشعبوية التي انتشرت في العالم ستحاول أن تمنع استخلاص العبر باتجاه تقدمي بعد الأزمة. فقد تكون إحدى محصّلات الأزمة في المستقبل خيار قوامه نظام حكم متسلّط، يقلّص حقوق الإنسان والمواطن. مع ذلك فإن الأمل بتغيير إيجابي يمنحنا طاقة ومناعة. علينا ألّا نتنازل عن الأمل، كما لا ينبغي أن نتنازل عن مشاعر وأفكار التضامن. الجمال والغبطة والرأفة والتواضع لدى بني البشر تتكشّف عادة أوقات الأزمة.
د. مرسيلو مناحيم فكسلر