من حق نسائنا الحيااااة!
*نيفين أبو رحمون
يأتي اليوم العالمي لمناهضة كافة اشكال العنف ضد النساء في عام 2020 وقلوبنا ثقيلة حول ما يحدث من استباحة لدماء نسائنا. بيوتنا وبلداتنا لم تعد امنة لهنّ، لا الحيّز الخاص ولا العام امنين، وأصبحت قضية تعنيف المرأة تسيطر على خطاب مكانة المرأة العام بدل أن يكون في عصرنا منصة من أجل تعزيز الدور المجتمعي وتقاسم الأدوار في ظل مجتمع فلسطيني يحاصر من الاحتلال ومن سياسات النيّل من استقرار المجتمع وتطويره واستقلاله.
أن هذه القضيّة ليست شخصيّة بل سياسية ووطنية، انطلاقا من أن الشخصي هو سياسي وعام ولا تقتصر على نساء بحالات فردية ومؤسسات وقيادات نسوية تناضل من أجلها، بل يجب أن تتحول الى قضية شعب كامل يناضل من أجلها بجهود مكثفة من الحراكات الوطنية والسياسية والنسوية الاجتماعية.
القيادة السياسة مطالبة أكثر من أي وقت مضى من أجل أن تتبنى القضية كأولوية من أجل احداث تغيير، لا يمكن التحرّر والنهوض بمكانتنا السياسية بمعزل عن مشروع سياسي اجتماعي متكامل يضمن الأمن والامان الشخصي لنسائنا. بل الحياة الكريمة وضمان الحريات الشخصية الكاملة للجميع.
وما زال انعدام وجود مشروع اجتماعي سياسي يضمن العدالة للجميع سبب أساسي في تعميق حالة الفوضى واللاجدية في التعاطي مع قضية العنف والجريمة بحق نسائنا، بالتالي هنا تقع مسؤولية المجتمع في مواجهة تقاعس أجهزة الشرطة والقضاء ومسؤولية تحويل القضية الى رأي عام والى أجندة العمل السياسي وعدم التعامل مع هذه القضية الحارقة بشكل موسمي. الى جانب مسؤولية المجتمع أمام نفسه بأن لا يشكّل حاضنة ودفيئة للمجرمين بيننا، كلّ من مكانه، بطاقات تربوية تجسّد العمل التربوي والثقافي في أوساط طلابنا وبين مراكز الثقافة الى جانب النضال الشعبي السياسي الاجتماعي الذي يعمل من أجل تحرير المجتمع من ثقل معتقدات ذكورية تفرض سيطرة الرجال على النساء ضمن سياسة المفهوم ضمنا.
ان الطبيعة المتعددة الجوانب للعنف ضد المرأة توحي بضرورة إعداد استراتيجيات مختلفة بحسب اختلاف مظاهر العنف والجريمة واختلاف الأوساط التي يحدث فيها.
تحتاج هذه الاستراتيجيات النموذجية والتدابير العملية, على وجه التحديد, الى بناء سياسة نشطة تتمثل في إدراج منظور النوع الاجتماعي والجنسانية ضمن المسار العام لجميع السياسات والمشاريع ذات الصلة بالعنف ضد المرأة, وفي تحقيق المساواة الجندرية حتى الوصول الى العدالة, إضافة الى تعميق التوازن في النوع الاجتماعي ضمن مجالات اتخاذ القرار ذات الصلة بالقضاء على العنف ضد المرأة. وينبغي أن تطبق الاستراتيجيات النموذجية والتدابير العملية بوصفها مبادئ توجيهية بشكل يتوافق مع الصكوك الدولية ذات الصلة
من هنا, يأتي سؤال ما العمل من أجل تذويت قيم انسانية ثقافية, تقودنا نحو العدالة, وبالتالي طرح واقع جديد مناهض لكل أشكال التمييز والعنف ضد المرأة.
وما شهدناه مؤخرا مع المغدورة وفاء عباهرة كان صعبا وقد كشف بصورة واحدة العطل المؤسساتي وسياسات اسرائيل في التعامل مع العنف والجريمة بمجتمعنا وضد نسائنا بشكل خاص. قدرة وفاء الشخصية تجاوزتنا جميعا كمؤسسات وكمجتمع، كانت شجاعة لأنها أرادت الخروج من دائرة العنف والجريمة، لانها كانت ترى هذه النهاية الصعبة والمؤلمة، وأرادت ان تحمي نفسها واطفالها، وفاء لم تصمت أمام الظلم والتعنيف بل قرعت كل الأبواب وكشفت لنا بأن هذه الدوائر المؤسساتية الشرطة والقضاء تتعامل باستعلاء واستهتار مع نسائنا ولا يمكن التقدم بهذه القضية الا اذا غيرنا في توجهنا وتعاملنا مع هذا الواقع الخطير وألزمنا اسرائيل على التعامل بجديّة مطلقة في ملفات العنف والجريمة. ندرك تماما علاقتنا مع الشرطة الاسرائيلية ومع المنظومة ككل، ولكن يجب فضح هذا التقاعس من خلال الضغط الشعبي، يجب أن يكون التعامل مهني وليس سياسي استعلائي ذكوري، كذلك ما يحدث في المنظومة القضائية خطير جدا، وعلى وجه الخصوص رأينا الاستسهال في التعاطي مع المجرم من قبل القاضي، وهل القضاة الذين يقفون على رأس المحاكم العائلية والشرعية شاركوا في استكمال حول حقوق المرأة وقضاياها وقضايا العنف ضد المرأة؟ يجب التقصي جيدا من ذلك وكيف تدار الأمور؟
بعد عشرات السنين من العمل النسوي الفلسطيني بمؤسساته ومدارسه المختلفة استطاع أن يضع هذه القضية ضمن المشهد العام على أن تبقى في وعي وأذهان الجميع، وقد قطعت شوطا واسعا في تعميق مفاهيم نسوية اجتماعية قد تكون القاعدة الأساس في التعامل مع قضايا المرأة عموما وانكشفنا من خلالها على التزامنا جميعا في النضال الشعبي والسعي قدما نحو العدالة الاجتماعية الكاملة. وحتى اليوم جميعنا ملزمون من أجل احداث تغيير في عملنا التربوي والوطني والمدني.
ما زالت القضيّة بحاجة الى عمل نضالي مكثف على كافة الأصعدة. نحتاج الى ادراج القضية ضمن برنامح تربوي مخصّص للمدارس، موضوع التربية الجنسانية يجب أن يصبح الزامي من رياض الاطفال حتى الثانوي، التربية مفتاح هام نحو مستقبل أفضل، ولكن لا يجب التخلي عن النضال الجماهيري في رفع الوعي والمسؤولية تجاه القضية. اضافة الى دور المنصّات الرقميّة من أجل رفع منسوب الوعي، هذا الحيّز الرقمي لم يعد افتراضيا، بل أصبح يرسم واقع كامل، ضمن مضامين ومفاهيم عدة، ولها أهميّة كبرى من أجل احداث التغيير المنشود.
نريد حياة كريمة للجميع، ومن حق نسائنا الحياة، من حقهن أن يعشن بعيدات عن دائرة العنف، الكلامي، والجسدي والجنسي والاقتصادي. قد نعود للحديث عن مسؤولياتنا في تحديد وتدعيم نساء معنفات ومن أجل ذلك يمكن التدقيق في التفاصيل ولكن للحديث أيضا عن التعنيف الاقتصادي وهو بمثابة امتلاك كامل لكيان المرأة وقراراتها، يسيطرالرجل على المنتج الاقتصادي الخاص. لذلك نرى احيانا نساء تعود لدائرة العنف فقط من باب الحاجة الاقتصادية الحرجة لها وهذا يجعلها مستمرة في دائرة الخطر. كما موقفنا ومسؤوليتنا بمواجهة العنف الجنسي وعدم التستر عليها، يجب كسر حاجز الصمت وفضح المتحرشين.
ولدت المرأة كما الرجل حرة ومتساوية في الحياة والحماية ، ونريدها شريكة حقيقية في الحيّز الخاص والعام، وشريكة في جميع مستويات صنع القرار، ونريدها أن تحيا أيضا لحياتها حرّة وامنة.
نيفين ابو رحمون,*نائبة سابقة عن القائمة المشتركة في الكنيست ومٌدرّسة مدنيّات.