اليوم العالميّ لحقوق الإنسان 2015- حرّيّة التعبير
للمرّة الثانية، بعد صيف عاصف – تربية فاعّلة على حرّيّة التعبير: مشروع مشترك لكلّيّة آدم وجمعية حقوق المواطن في إسرائيل
كم مرّة وجدتم/ نّ أنفسكم/ نّ تقطعون مسار الدرس العاديّ وأنتم/ نّ تقولون/ تقلن بحزم لتلاميذكم/ نّ لتلميذاتكم/ نّ: “دعْها تكمِل أقوالها!”، “هذه ليست طريقة للتعبير عن الرأي في صفّنا”، ” لا يصغي الواحد منكم إلى زميله/ ته!”. من منّا لم يجد/ تجد نفسه/ ها في وضع تحوّلت فيه المناقشة إلى جدال صاخب فاق الحدّ (إن دارت المناقشة حول الموادّ التعليميّة أو غيرها)، ونحن نتساءل بيننا وبين أنفسنا أو نسأل التلاميذ – لماذا لا يستطيع الواحد منكم أن يحترم زميله/ زميلته ويفسح له/ ها المجال ليقول/ لتقول ما عنده/ ها؟
نسوق هذا الوضع “النظريّ” لنجسِّد بعض الأسئلة التربوية في سياق التربية على القيم الديمُقراطيّة بشكل عامّ، وعندما نريد أن نربّي تلاميذنا على حرّيّة التعبير بشكل خاصّ: كيف نحفّز تلاميذنا على تذويت وإدراك وفهم أهمّيّة حرية التعبير؟ كيف نجعلهم يتماهَوْن مع هذه القيمة، التماهي بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى؟ وكيف نمتنع عن أسلوب الوعظ؟ كيف نحفز تلاميذنا/ تلميذاتنا على تذويت القيم الديمُقراطيّة ولا نكتفي بمجرّد تدريس المادّة كمواضيع في منهج تعليم المدنيّات؟
حرّيّة التعبير ليست فصلًا إضافيًّا في الموادّ التعليميّة في موضوع المدنيّات – بل مبدأً أساسيًّا في المجتمع الديمُقراطيّ الذي يحترم حقوق الإنسان. ليس صدفةً أن يظهر البند الخاصّ بحرّيّة التعبير، في وثيقة إعلان حقوق الإنسان، إلى جانب البند الذي يتناول حرّيّة التفكير. حرّيّة التفكير تقف جنبًا إلى جنب مع حرّيّة التعبير عن هذه الأفكار، لأنّ الفكرة التي لا يتمّ التعبير عنها لا وجود لها في ذهن صاحبها. القدرة على الإقناع، تبادل الآراء والأفكار، انتقاد السلطة والتعبير عن التميُّز الكامن في كلّ إنسان هي كلّها مرهونة بوجود حرّيّة التعبير.
يحاول الكثيرون/ الكثيرات تفسير مصدر الصعوبة – “عنده من البيت” “هذه هي ثقافة المناقشة التي تميّز الشباب”، “عند هذا التلميذ بالذات مشاكل في الانضباط” وَ “لهذه توجد صعوبة في الإصغاء والتركيز”. هذه التفسيرات التي تتركّز في الأفراد بشكل خاصّ، لا يمكنها أن تفسّر الظاهرة بشكلها العامّ. لكي نفهم جذورها العميقة علينا أن نتطرّق إلى الجوانب الاجتماعيّة والجماهيريّة التي تقف خلف تطوّر ثقافة المناقشة غير المتسامحة في إسرائيل، أو التآكل الذي طرأ على فهم أهمّيّة حرّيّة التعبير.
للمزيد »كيف يمكن التربية على التسامح داخل الصفّ في الوقت الذي يكون العنف والتحريض خارج الصف في أوجه؟
في الصيف الأخير واجهنا الكثير من الاحداث والتحديات المتعلقة بقضايا حقوق الانسان وظاهرة العنصرية المنتشرة في المجتمع، سواء على الصعيد المجتمعي الداخلي أو على صعيد الدولة ككلّ. الأجواء مشبعة بالتحريض والعنصريّة والأولاد يتأثرون بكلّ هذا ويذوته. كيف نتعامل مع هذا الموقف والقضايا؟
الواقع يفرض علينا تحديات من المهم مناقشتها بعمق وبنظرة ناقدة داخل اطار المؤسسة التربوية. كثرة هذه الاحداث تشير الى ضرورة تعزيز التربية لمناهضة العنصرية. يدرك المعلّمون أنّه يجب التعامل بشكل فعّال مع أحداث هذا الصيف، وهم يبحثون عن سبل ناجعة للقيام بذلك، مفترضين أنّ هذه الاحداث أثّرت وسوف تؤثّر في التلاميذ وفي ما يجري داخل الصفّ.
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على خطوات تربويّة للتعامل مع القضايا المثيرة للجدل، كما أنّه يهدف إلى الإشارة إلى الإمكانيّات المتوفّرة في هذه الخطوات لتشكّل تغييرًا اجتماعيًّا، لا سيّما في ضوء الديناميكيّة التي تجري خارج الصفّ، في الحيّز العامّ، في هذه الأيّام بالذات. ترتبط هذه الخطوات التعليميّة بتركيبة الصفّ، وبالسلوك التربويّ العامّ الذي ينتهجه المعلّم، ومن شأنها أن تخلق ديناميكيّات صفّيّة تختلف اختلافًا جوهريًّا عن الديناميكيّة التي تميّز الحيّز العامّ في هذه الايّام.
لتوضيح الأمور، نقترح عليكم افتتاحيّة للدرس (قد تكون أكثر من واحدة طبعًا!) هدفها أن تطرح للنقاش أحداث الحرب وحالة العنصرية التي سادت المجتمع خلال هذا الصيف، رغبة في تحفيز التلاميذ على طرح أفكارهم والتعبير عن مشاعرهم. بعد ذلك سأقوم بتحليل هذه الافتتاحيّة المحتملة وتفسير لماذا يشكّل تطبيق هذه الأمور بشكل فعليّ من قبل المعلّم، فرقًا واضحًا بين ما يحدث في الصفّ وما يحدث خارجه. بناءً على هذا فإنّ هذه الافتتاحيّة تشكّل رسالة تعليميّة تقترح التحول من الحوار المتطرّف، المحرّض والذي يسبّب الضعف، إلى حوار فيه احتواء، حوار مركّب ويدفع إلى التدعيم والتمكين.
للمزيد »