وصلتم إلى ملفّ المواد التربوية الخاصة بجمعية حقوق المواطن.
للوصول إلى الموقع الجديد للورشة، اضغطوا هنا >>

ما هي حقوق الإنسان، وما هي وظيفتها,بحسب رأينا؟

آخر تحديث في تاريخ 24/08/2010

مدخل: ما هي حقوق الإنسان، وما هي وظيفتها,بحسب رأينا, في

مجتمع يستحق العيش فيه؟(8)

 يقترح هذا الفصل من هذا الكتاب فكرة حقوق الإنسان  ووظيفتها المعيارية في المجتمع كما تبلورت في النصف الثاني من القرن الـ 20، بعد الحرب العالمية الثانية وما تلاها9).

نقترح أن نتطرق الى حقوق الإنسان كتسوية اجتماعية، تعتمد على وجهة نظر معينة لماهيّة المخلوق البشري – الإنسان – والمجتمع الملائم.

وضعنا في هذا الكتاب، هدفًا وهو التربية للالتزام بحقوق الإنسان الواردة في “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” و”ميثاق حقوق الطفل” والمتفق على أنها الأجدر بتنظيم العلاقات بين الإنسان والسلطة وبين الإنسان وأخيه الإنسان في إطار الدولة.

هاتان الوثيقتان لا تشملان كل القائمة المتفق عليها لحقوق الإنسان، فالقائمة متغيرة
(دينامية) . ومن فترة لأخرى يضاف اليها حقٌ آخر، أو تضاف وثائق تفصّل أكثر حقوق الإنسان لمجموعات سكانية معينة ضعيفة في مجتمعات كثيرة، حسب المفهوم الذي يتقدم مع الزمن، وواقع يتطور بسرعة ويسخر من الخيال المبدع للبشر.

كذلك هذا الفصل، الذي يشكّل مدخلاً لفكرة حقوق الإنسان، سيركز فقط على هذه الحقوق وعلى هذا الإطار. لن نبحث في هذا الفصل حقوق الإنسان لمجموعات سكانية معيّنة، والتي تمّ التعبير عنها بالتفصيل في وثائق لاحقًة (مثل النساء، الأسرى والمعتقلين، المعاقين، حقوق الإنسان من جنسيات مختلفة  الخ..)، ولن نبحث في العلاقات بين الدول، وبالتأثيرات الموجودة لقوى السوق في داخل الدولة، العولمة وعمل تنظيمات عالمية عن حقوق الإنسان في مجتمعات مختلفة في أرجاء العالم(10).

ما هي حقوق الإنسان؟

 

للوهلة الأولى ، فالإجابة سهلة: حقوق بني البشر.

ولكن، ما هي “الحقوق”؟ وماذا نقصد عندما نتحدث عن “البشر”؟

أ‌.        ما هي الحقوق؟

ليس كل ما نقول عنه أنه “حقي” أو “حقك” – وعادة نقول عن كثير من الأمور “هذا حقي” أو “هذا حقك” – هي فعلا حق بالمفهوم الدقيق والمحدد، والذي نقترحه هنا.

نحن سنعرف “حق” كمطلب ذو صلاحية (أي، مطلب حصل على اعتراف ضمن مجموعة قواعد متفق عليها) لطرف أ يلزم طرف ب أن يَسْلُك نحوه سلوكا محدداً. مثال: إذا اشتريت اشتراكًا سنويًا للمسرح ويشمل 6  عروض مسرحية، ففي المجتمع الإسرائيلي متفق على الالتزام بالاتفاقيات (هذا الاتفاق حصل على اعتراف من قوانين الدولة) يوجد مفعول لطلبك بالنسبة للمسرح الذي سيحجز لكي ست مسرحيات في السنة نفسها. فإذا أعطاك المسرح 5 مسرحيات فقط، يحق لك أن تطلب عرضًا آخراً (أو إعادة قسم من مبلغ الاشتراك). من ناحية أخرى، لا توجد مصداقية لفرضيّة مشاهدة 6 مسرحيات جيدة، لأنه  لا يوجد اتفاق حول السؤال: ما هي “مسرحية جيدة”؟(11).

 هذا الحق، بأن ترى ست مسرحيات مقابل أمولك التي دفعتها مقابل الاشتراك السنوي، هي حق موجود في إطار اتفاق معين، بين المسرح وبينك، حقوق أخرى تحقق من خلال ارتباط معين، يمكن أن تكون مثلا، حقوق مختلفة في الألعاب، حقوق لها علاقة بشروط العمل والأجر في مكان عمل معين. (مثل صلاحيات إدارة وتوقيع وثائق مالية)، حق السكن في شقة مستأجرة، حق توقيف السيارة في الحي السكني، حقوق موجودة في قوانين السير، مثل حق سيارات الإنقاذ والأمن، السرعة أكثر من المسموح به في قوانين السير، حق استعمال أجهزة غرفة اللياقة البدنية، حقوق لها علاقة بالروابط الاجتماعية غير الشكلية، مثل الحقوق في علاقات الصداقة، ما دمتم معنيين بهذه العلاقات.

 

ب‌.     ما هي حقوق الإنسان؟

 

سنعرّف “حق إنسان”، هو الحق الذي يتوجب حصول كل إنسان عليه بشكلٍ متساوٍ من كل إنسان وفقط لكونه إنسان.

“حقوق الإنسان” هي مجموعة مختارة من الحقوق. وهذه الحقوق نوليها أهمية عالية، وكل إنسان يستحقها.فكلمة “يستحق” في هذا السياق ليست صدفة,كما سنرى لاحقًا، ليست كل المجتمعات تعترف فعليًا بحقوق الإنسان. وجهة النظر التي تؤيد حقوق الإنسان هي وجهة نظر معياريّة، والتي تعلن عن قواعد يجب יن ترتكز عليها العلاقات بين البشر في إطار المجتمع،عامة، وبالعلاقات بين السلطة وبين من هم خاضعين لها خاصة.

 

ج. أي الحقوق معترف بها كحقوق إنسان؟

 

قبل أكثر من خمسين سنة، بتاريخ 10 كانون الأول 1948، أعلنت منظمة الأمم المتحدة (وكانت تعد  عشرات الدول) “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” كمقياس، لتقييم الإدارة السليمة لكل نظام حكم في العالم.

الظروف التاريخية – فظائع الحرب العالمية الثانية – أدت بالدول الأعضاء في المنظمة الى الخروج بهذا الإعلان، كما يمكن أن نتعلم من خلال ديباجة الاعلان12).

يشمل الإعلان 30 بندًا تفصل فيه عشرات الحقوق، كل إنسان يستحق هذه الحقوق لكونه إنسانًا. هذه الحقوق، للحياة، للأمن الشخصي، للحماية من المطاردة، للمواطنة، لمجموعة كبيرة من الحريات، للمساواة (منع التمييز لأسباب مختلفة)، للكرامة الإنسانية، لإجراء عادل ومجموعة من الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية.

لكي نسهل العمل بالكتاب، أضفنا إلى الكتاب لائحة فيها قائمة لهذه الحقوق، في ملحق رقم 2 في المجموعة الأولى من الفعاليات(13).

حتى نفهم لماذا تمّ تحديد هذه القائمة “كقائمة حقوق الإنسان” نقترح أن ننظر لها كقائمة تعتمد على وجهة نظر معينة “للإنسان”، المخلوق البشري كما هو، وعلى وجهة نظر معينة للمجتمع الذي يستحق العيش فيه.

 

كيف ينظر” للإنسان”  في أساس فكرة حقوق الإنسان؟

 

ما هي الفرضيات حول الإنسان،والتي  في أساس الفكرة المعيارية، والتي بحسبها يحق لكل المخلوقات البشرية أن تكون لهم حقوق معينة في كل مكان وفي كل زمان، في كل دوائر الحياة المختلفة، وبكل أنواع العلاقات بين الإنسان وزميله الانسان، وفقط لأنهم مخلوقات بشرية, ما هي ميزات هذا الإنسان – المخلوق البشري كما هو – التي يتم تأكيدها في أساس فكرة حقوق الإنسان؟

ينظر إلى المخلوق البشري كصاحب ثلاث ميزات:

  1. للإنسان عقل ورغبات.
  2. معرض للمس جسمانياً وعقلياً
  3. يستطيع ويريد فرض قوته على الغير.

 

واليكم تفصيل لكل واحدة من هذه الميزات:

  1. المخلوق البشري هو أولاً مخلوق ذو عقل: يرغب وكذلك يستطيع أن يختار لنفسه أهدافا وطرقا لتحقيقها، ومن وقت لآخر يمكنه تغيير أهدافه او الطرائق لتحقيقها. كذلك له رأي حول ما هي الحياة الجيدة، ويرغب في تطويرها من خلال المشاركة في برمجة الاهتمامات الاجتماعية ، ولو قليلا ,خاصة إذا كانت القرارات المطروحة على جدول الأعمال الاجتماعي يمكنها أن تؤثر عليه.
  2. إضافة لذلك، فالإنسان معرض للمس بجسمه وعقله، يمكن لجسمه أن يتعرض للمرض أو الإصابة،و يمكن لعقله أن يمرض أو يتعرض للإهانة.

إلاصابة بالمرض الجسمي أو النفسي يمكنها أن تؤخره عن تحقيق أهدافه. فالإنسان السليم بعقله وجسمه يستطيع أن يتركز في إدارة حياته كما يرغب. (ما دام لا يمس بالآخرين).

 المخلوق البشري يعرف قيمة نفسه وهذا يسمى “الكرامة الإنسانية”dignity  ,ويمكن في بعض الأحيان المس بهذه القيمة.

  1. الميزة الثالثة للمخلوق البشري تُرينا أنه ليس كاملاً، فعندما يعيش في مجتمع (وكل الناس يعيشون في مجتمع ما)، يمكن ان يتواجد في ظروف مختلفة،او انه موجود بمواقع مسؤولية يمكن أن تؤثر على مصير الآخرين (وليس فقط بواسطة القوة الجسمانية). يكفي أن ننظر إلى الواقع لنرى نماذج كثيرة، يستعمل فيها الإنسان قوته وصلاحياته حتى يطوّر مصالحه، وأحيانًا على حساب الآخرين، حتى إذا لم يتم المسّ بهم نتيجة لذلك. هناك من يقول أن المخلوق البشري, بطبيعته ,لديه غريزة القوة والتسلط على الآخرين، ولكن يمكن ألا نلتزم بهذا الموقف، وأن ندعي، أنه عندما تكون المصلحة الشخصية للإنسان (أو المصالح الجماعية للمجموعة) غير مؤمنة، عندها، وإذ كان لديه قوة أو صلاحية، لا يتردد أحيانًا للعمل على تطوير مصالحه على حساب مصالح مجموعات أخرى، ولا يهم إذا كان المس يأتي باسم الأيديولوجية أو المنافسة على الميزانية، أو حب التسلط والقوة.

هذه الميزة للإنسان يمكن التعبير عنها يوميًا وفي كل دوائر الحياة الاجتماعية: في العائلة، الحي، مكان العمل، النادي، الحزب، الدولة، وبالنسبة لنا كذلك في الصف(14).

 

ما هي وظيفة حقوق الإنسان في المجتمع؟ 

وظيفتها لَجْم وكبح من بيده قوة، أينما وجد خطر لاستعمالها بشكل مسيء للمس بقدرة الإنسان، وبالفرص المُتاحة له، بإدارة حياته حسب وجهة نظره للحياة الجيدة بالنسبة له. وفي صيغة المقدمة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان: [ولما كان…] و[تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة.

 

وزيادة في التفصيل – أي بيئة حياة اجتماعية هي التي يستحقها الإنسان؟

 الفكرة الأخلاقية (فكرة اللائق/ العادل/ الصادق في العلاقات بين الناس) الموجودة في أساس الطموح لمجتمع يطبق حقوق الإنسان، ترسم المجتمع الإنساني كبيئة حياتية نستحقها، وتمكن كل إنسان من استعمال  عقله حتى يختار لنفسه أهدافه وطرقه للحصول على هذه الأهداف، من أجل ما يعتقد بأنه تحقيق ذاتي، طالما أنه لا يمسّ بغيره(15).

 

مجتمع يطبق حقوق الإنسان هو مجتمع فيه:

  1. كل إنسان محمي من الآخرين، حتى لا يستغلوا قوتهم أو صلاحياتهم، وبهذا يمسّون بقدرته على اختيار أهداف شخصية والعمل على تحقيقها.
  2. كل إنسان يحصل على حريّة وفُرص اختيار أهدافه الشخصية والعمل لتحقيقها، وكذلك بيئة اجتماعية ديمقراطية، أي بيئة فيها حرية وفرصة محاولة التأثير على قرارات لها علاقة بسلم أفضليات إدارة الحياة في المجتمع، بواسطة المؤسسات المشتركة للمجتمع.
  3. كل إنسان يحصل على ظروف حياتية، تمكنه من اختيار أهداف لنفسه والعمل على تحقيقها.

 

حقوق الإنسان هي قائمة من الحقوق، تدعي دول في العالم بأنها مطلوبة لكل مخلوق بشري أيا كان، لكي يستطيع أن يعيش في مجتمع كمخلوق ذو عقل: حتى يشعر بأن له كيان كمخلوق بشري، وحتى يستطيع الاختيار لنفسه أهدافًا شخصية وطرقًا لتحقيقها، ولكي يتمكن من التواصل مع مجموعات ذات أهداف مشتركة ، ولكي يستطيع طرح رايه في ألأمور المتداولة على جدول أعمال مجتمعه .كل ذلك شرط ان يكون محميًا من مسّ نفسي وجسماني من الأقوياء داخل المجتمع (كل ما كان تحت سيطرة الإنسان)، لأن ذلك يمكن ان يؤخر تطوره كمخلوق عقلاني.

 

نعطي مثلاً لهذا الموقف في بعض حقوق الإنسان:

إضافة الى أن الحرية، والكرامة الإنسانية والمساواة محسوبة كقيم أساسية ترافق كل حقوق الإنسان، حقوق الإنسان مثل حرية الحركة، حرية الزواج، الحرية الدينية والحرية من الدين، حرية الحصول ونقل المعلومات نراها مطلوبة للإنسان حتى يستطيع أن يختار لنفسه أهدافه الشخصية والعمل على تحقيقها، بحسب نظرته، لما هي الحياة الجيدة بالنسبة له.

بالخلاف  مع كل ما ذكر،  فان الحق في الخصوصية، والحق بسمعة حسنة، الحق بألا يكون مستعبدًا للآخر، والحق أن يكون محررًا من التعذيب والتعامل المهين مطلوبة للإنسان حتى يرى نفسه ذا قيمة. فالمسّ بالخصوصية والسمعة الحسنة تخلق إنطباعًا بالمس بالكرامة الإنسانية، وبالشعور بالإهانة والتحقير. كذلك فإن علاقة مُهينة (تشمل عقابًا مهينًا) وتعذيب، يتجاوز المعاناة الجسمية (في التعذيب الجسماني) والنفسي (في التعذيب النفسي). مجموعة أخرى من حقوق الإنسان تشمل الحقوق المرتبطة بمستوى معيشة لائق (غذاء، لباس، مسكن، علاج صحي وقت الحاجة، وخدمات اجتماعية) والحماية الاجتماعية. هذه مخصصة لتأمين شروط حياة، تمكن الإنسان من ترتيب وقته وطاقته حتى يختار لنفسه أهدافه والعمل على تحقيقها. ويوجد كذلك حقوق، هدفها تمكين الإنسان من أن يجرب ويؤثر على القرارات في إدارة الحياة في مجتمع هو عضو فيه، مثل حرية التعبير، حرية التنظيم والاجتماع. الحق أن ينتخب وأن يترشح.

 

مَن مُلزم بالحفاظ على حقوق الإنسان؟

كل إنسان، لديه قوة أكثر من غيره، مع اخذ الظروف بعين الاعتبار (إن كان قوة جسمية أو قوة من اسباب أخرى، مثل صلاحية، مكانة اجتماعية، إنتماء لمجموعة الأكثرية، المال، الموهبة وغيرها)، ففظائع الحرب العالمية الثانية علمتنا، بأنه لا يمكننا الاعتماد على رغبات الناس، الذين بأيديهم القوة والصلاحية، والتي تمكّن الآخرين –  الأضعف منهم – فرصة إدارة حياته. من هنا جاءت فكرة حقوق الإنسان، والتي تتطلب من كل صاحب قوة وصلاحية الحفاظ عليها.

من المتبع اليوم، أن تلقى على سلطات الدولة المهمة الأساسية وواجب تثبيت حقوق الإنسان لسببين:

 الأول – تركز سلطات الدولة معظم القوة بأيديها والتي من الممكن ان تمس بهذه الحقوق أو تلغيها (سواءً إذا كانت القوة معطاة للدولة من مواطنيها من خلال، عملية انتخابية في دول ديمقراطية، أو حصلت على قوتها بالقوّة من خلال أنظمة توليتارية)، والثاني – لأنه لديها الوسائل والأجهزة لخلق شروط تثبيت وتنفيذ حقوق الإنسان بين الناس، وفرضها بواسطة فرض عقوبات، لذلك، عندما نتحدث عن انتهاك حقوق الإنسان، المقصود هو المسّ من قبل سلطات الدولة وكذلك المسّ  بها من قبل إنسان أو مجموعة افراد أو مجموعات أخرى، والمطلوب من سلطات الدولة منعها أو تصحيحها(16).

 

متى من المناسب تثبيت حقوق الإنسان؟

 

دائمًا، في كل الحالات التي فيها علاقات بين بني البشر.

 

تضارب بين حقوق الإنسان:

رغم أنه من المناسب دائمًا تحقيق حقوق الإنسان، فلا يمكن دائمًا تطبيقها بالكامل. أحيانًا يوجد تضارب بين حق إنسان وحق آخر (نموذج لهذا هو التضارب الممكن بين حرية التعبير وبين الحق بالسمعة الحسنة)، أو بين حق واحد أو مجموعة من حقوق الإنسان وبين مصلحة جماهيريّة (مثلاً، حرية الحركة تتضارب أحيانًا مع المحافظة على النظام العام في الطريق، حرية إقامة الشعائر يمكنه أن يتناقض مع الأمن القومي) أو بين حق أو أكثر من حقوق الإنسان وبين قيمة جماعية(17)، قيمة المجتمع كله، مثل القيمة المرتبطة في معتقد ديني سائد في المجتمع، أو قيمة تتعلق بالديمقراطية، بهذا المعنى فإن حقوق الإنسان ليست مطلقة. ما عدا منع العبودية، المتفق عليها من الجميع ولا يمكن التحفظ منه بتاتًا، التفكير بحسب مفاهيم حقوق الإنسان تتضمن بشكل كبير التفكير بتوازنات مختلفة، مطلوبة حين حصول تصادم بين حقوق الإنسان وبين نفسها، أو بينها وبين مصالح أو قيم جماعية، والتطلع الى تقليل وتخفيف بقدر الإمكان المس بحقوق الإنسان، وذلك لأهميتها الكبيرة.

لذلك سترون في الكتاب فعاليات هدفها التعرف على أهمية المعضلات، التي تبرز في حالات التضارب والتدرب عليها.

 

ما هي آليات المحافظة على حقوق الإنسان؟

 

يمكن التمييز بين نوعين من آليات شكلية للمحافظة على حقوق الإنسان: آلية سلطة الدولة، للمحافظة على حقوق الإنسان في داخل حدودها، والآلية الدولية.

في داخل الدولة، السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية والقضائية)، كل واحدة في حدود صلاحياتها، مطلوب منها المحافظة على حقوق الإنسان، في العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان في مجالات الحياة المختلفة، في العلاقات بين المواطن/ بين المقيم/ وبين سلطات الدولة، بواسطة تشريع، حراسة، فرض وتربية.

الفرضية الأساسية في الحلبة الدولية، هي أن حقوق الإنسان عالمية، أي ان كل إنسان أينما كان فهو  يستحق هذه الحقوق، في كل مجتمع من عالمنا(18). حقوق الإنسان تعتبر إذًا، مقياسًا عالميًا، بواسطته يقيمون تصرف كل نظام حكم في العالم بالنسبة لمن هم تحت سيطرته، ويتخذون إجراءات مختلفة في حالة وجود حقوق الإنسان منتهكة (ابتداء من الاستنكار، وصولاً الى عقوبات اقتصادية وحتى تدخل عسكري) ولتكن أفعال هذا النظام داخل حدوده كما يشاء، شرط أن يطبق – بالحد ألادنى – حقوق الإنسان على أنواعها المختلفة (ضمن نطاق الإمكانيات الاقتصادية للدولة ,عندما نتحدث عن حقوق اقتصادية، مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجة لوجود توازنات بين الحقوق كما ذكر آنفًا).

المواثيق التي صدرت ابتداء من النصف الثاني من القرن الـ 20، بعد الإعلان  العالمي لحقوق الإنسان، ووثائق مُرافقة لها، تحدد المعايير، والتي يتوجب على كل نظام حكم أن يتصرف بحسبها تجاه من هم تحت سيطرته(19).

بالإضافة الى هاتين الآليتين الرسميتين، وجدت على مر السنين آليات غير رسمية  لتطوير حقوق الإنسان. هذه هي آليات “المجتمع المدني” والتي تشمل منظمات داخل الدولة تعمل لتطوير حقوق الانسان داخل دولتهم وأحيانًا من خلال الشجاعة والتضحية الشخصية، في دول تنتهك السلطة ,حقوق الإنسان ,بشكل منهجي لمن هم تحت سيطرتها – وهناك منظمات عالمية، تضع لها هدفًا وتعمل على تطوير حقوق الإنسان في أنحاء العالم. جزء من هذه المنظمات تعمل على تطوير حق إنسان معين (مثل الحق في العمل، حرية التعبير، التحرر من التعذيب، الحق في التعليم وهكذا)، جزء من هذه المنظمات تعمل على تطوير حقوق الإنسان في مجتمعات معينة مستضعفة (مثل التجارة بالنساء  بهدف تشغيلهن بالزنا، العمّال ألاجانب، ألاولاد، المعاقين وغيرها). قسم من المنظمات تعمل على تطوير مجموعة واسعة من حقوق الإنسان(20).

 

بعض الكلمات عن العلاقة بين حقوق الإنسان وبين الدمقراطية:

الدمقراطية لا تطابق حقوق الإنسان، الدمقراطية هي شكل معين من نظام حكم (أي، تنظيم معين للمؤسسات الأساسية للمجتمع من أجل تفعيل الصلاحيات المشتركة والجماهيرية لأعضاء المجتمع). نعرف “الديمقراطية” كنظام حكم، يشارك فيه الكل في اتخاذ قرارات على جدول الأعمال في مواضيع تتعلق بالاطارالعام، والتي من الممكن أن تؤثر على حياتهم في إطار هذا المجتمع.

على ضوء هذا التعريف، فان حقوق الإنسان مرتبطة بالديموقراطية بوسيلتين:

  1. فكما ذكر سابقًا (في بند “أية بيئة حياة اجتماعية يستحقها الإنسان؟”)، جزء من حقوق الإنسان تحصل  على شرعيتها من خلال رغبة الإنسان بالتأثير على القرارات المتعلقة بإدارة حياته في المجتمع، وعلى الأقل القرارات التي من الممكن أن تؤثر على قدرته في إدارة حياته حسب أهدافه، مثال: حرية الرأي والتعبير، الحق في الحصول على معلومات وتمريرها للغير, حرية التنظم والتجمع، الحق في أن تنتخب وأن ينتخب، أنظمة حكم ليست دمقراطية – هي أنظمة يريد فردًا واحدًا أو مجموعة واحدة بان يحددون لوحدهم جدول الأعمال الاجتماعي – وما يميزها هو سلب هذه الحقوق، من هذه الناحية من السهل أن نرى الذين يؤيدون فكرة حقوق الإنسان يفضلون نظام الحكم الديمقراطي عن أنظمة حكم أخرى. (مثلا مجتمعات يحكمها شخص واحد أو حزب واحد، دون إمكانية تبديلهم من خلال الانتخابات العامة).
  2. عملية اتخاذ القرار في الديمقراطية لا يكتفي بمبدأ “الأكثرية تقرر” (هناك من يسمي الديمقراطية التي يسيطر بها هذا المبدأ “ديمقراطية شكلية”). من الممكن للأكثرية أن تقرر فرض قوتها على مجموعات أضعف منها، من أجل مصلحتها المادية أو حتى لتطبيق قيم معينة تؤيدها، لذلك يجب فرض قيود عليها. يمكن أن تكون القرارات نافذة المفعول إذا لم تنتهك أي حق من قائمة حقوق الإنسان (هناك من يسمي هذه الديمقراطية والتي يسيطر فيها هذا المبدأ “ديمقراطية جوهرية”). هذا الفرض جاء، إذا، حتى يؤمن حقوق إنسان لأفراد ضعفاء أو مجموعات مستضعفة في المجتمع، لا يوجد لديها القوة لتأمين حياتها ولخلق ظروف حياة مناسبة لكل البشر الذين يرغبون  في إدارة شؤونهم حسب وجهة نظرهم للحياة الجيدة. وكما قلنا آنفًا (في بند “ما هي آليات المحافظة على حقوق الإنسان؟”) مجتمع يحترم حياة الناس هو مجتمع يقوم على الأقل – بالحد الأدنى – بتطبيق حقوق الإنسان لكل من هو موجود ضمن حدوده، دون أي تمييز.

لهذا السياق فإن قول ألبرت أينشتاين جميلٌ “نظام حكم ديمقراطي حقيقي هو نفسه نظام الحكم، الذي يسمح للإنسان بقدر كاف من الحرية، وفي الوقت نفسه يهتم بألا يستعمل هذه الحرية بشكل سيء”.

 

خطئان شائعان:

في ورشات العمل عن حقوق لإنسان، والتي يقوم بها قسم التربية في جمعية حقوق المواطن في اسرائيل، اصطدمنا أكثر من مرة بخطئين:

  1. هناك من يربط حقوق الإنسان مع قوانين الدولة.أكثر من مرة سمعنا في نقاشات مع المشتركين أحدا يقول لزميله: “يوجد قانون”. كإدعاء هدفه إثبات أن دولة معينة تطبق حقوق الإنسان خلال النقاش.

يجب التمييز بين حقوق الإنسان وقوانين الدولة فالقوانين  ليست مصدرًا لحقوق الإنسان والحقوق تحق لكل مخلوق بشري لمجرد كونه إنسانًا، في كل زمان ومكان. قوانين الدولة هي إحدى الطرق لتحقيق حقوق الإنسان (طرق أخرى، أنظر آنفًا، المحافظة على سن  وتطبيق القوانين، من خلال وبواسطة المحاكم). مجتمع مثالي، يطبق كل حقوق الإنسان (أو يمس أقل ما يمكن عندما تصطدم مع حقوق إنسان أخرى، أو مع مصلحة أو قيم جماعية) وليست هناك حاجة, مبدئيًا ,للقوانين ولتطبيقها حتى نؤمن ذلك. ولكن في الواقع عندما يقوم البشر بفرض قوتهم على الضعفاء منهم، للدفع بمواضيع خاصة بهم أو لتغذية غريزة القوة، عندها تصبح القوانين إحدى الوسائل والطرق لتأمين وجود حقوق الإنسان. ولا يمكن بأي حال من الأحوال وضعها ضمن حقوق الإنسان(21).

2. هناك من يدّعي، أنه يستحق اعطاء الناس حقوقها الإنسانية فقط, إذا التزموا بأداء الواجبات. نسمع أحيانًا القول “حقوق الإنسان مرتبطة بالواجبات” في هذا السياق يجب التمييز بين حقوق وجدت نتيجة علاقات معينة  وبين حقوق الإنسان (أنظروا أعلاه في بند “ما هي حقوق الإنسان”) صحيح، أن حقوقًا، نتجت بسبب علاقات  معينة يمكن أن تكون مشروطة بواجبات (يتعلق بتفاصيل العلاقة) ولكن حقوق الإنسان ليست كذلك. حقوق الانسان يستحقها كل إنسان لكونه إنسانًا، دون شروط ولكن، وفي ظروف معينة يمكن المس بحقوق الإنسان في أعقاب انتهاك واجب في القانون. مثال بارز هو منع حريّة الحركة للأسرى، يمجرد وضعهم في السجن. ولكن هذا لا يعني سلب كل حقوق الإنسان منهم لأنهم مذنبين بانتهاك واجب موجود في القانون  بحيث يعطي شرعية لسجنهم، أو مسٌ قاس بحقوق الإنسان اتجاه غيرهم، لأن الأسرى يعتبرون مخلوقات بشرية تستحق مثلاً:شروط أسر مناسبة (تشمل علاج طبي وسرير للنوم) ولمعاملة غير مهينة(22).

 

حقوق الإنسان في المدرسة:

 

المدرسة هي ايضا بيئة فيها بشر بينهم علاقات قوة، ولذلك يمكن النظر الى المدرسة  والعلاقات بها من خلال منظار حقوق الإنسان.

مع ذلك، اقترحنا آنفًا التمييز بين حقوق ناتجة عن علاقات معينة، وبين حقوق الإنسان التي تحق لكل انسان كونه انسانا.هذا التعريف ملائم ايضا للعلاقات الانسانية داخل المدرسة.

 

 

 

أ‌)        ما هي حقوق الإنسان للطالب/ة؟ 

 

تستطيع ان تكون بين الطلاب والطالبات أو بين الطلاب والمعلمين، أو مع إدارة المدرسة علاقات ناتجة عن اتفاقات، تشمل حقوقهم وواجباتهم، كطلاب.

 

مثلا يمكن اعطاء مكافأة خاصة للطالب أو الطالبة لمساعدته لصديق في الصف، أو لانه تجند لحملة نظافة في المدرسة – هذه حقوق مشروطة بأفعال معينة للطالب/ة، ويمكن اعتبارهم حقوقًا نتيجة لعلاقات معينة. كذلك فان عضوية نشيطة في مجلس الطلاب يمكن أن يرافقها حقوقا معينة، غير ممنوحة لباقي الطلاب والطالبات في المدرسة.

لا يوجد علاقة بين كل هذا و بين حقوق الإنسان .

مقابل ذلك، لكل ولد وبنت، في كل مكان في المدرسة، وفي كل نشاط، توجد حقوق إنسان مقابل من هم أقوى منهم في هذه الظروف أو أخرى. (أقوياء من ناحية جسمية ومن خلال صلاحياتهم ومكانتهم)، ويمكن أن يستغلوا قوتهم بشكل سيء. يستحق الولد ألا يُهان (وحقه بالاحترام الإنساني)، الحق في الخصوصية موجود في المدرسة أيضاً (لا يمكن تفتيش الحقيبة مثلا)، يجب إعطاء حرية التعبير (في حدود الحق في السمعة الحسنة للغير وحقه في الخصوصية، مثلا)، لا يمكن المس بحقه بإجراء عادل. في حالة فحص سلوك يشتبه بأنها شاذة عن المعايير المقبولة في المدرسة أو عن معيار له نص في القانون، يجب أن نطبق حقوقه للأمن الشخصي وسلامة الجسد (مقابل خشية الآخرين)، للعلاج الطبي ولباقي الحقوق المفصلة في وثيقة حقوق الطفل والتي تنطبق على الأولاد حتى سن الـ 18 سنة.

من المفهوم، أن هذه الحقوق ليست مطلقة، ويجب إيجاد التوازن بينها وبين حقوق إنسان أخرى، أو بينها وبين مصالح وقيم جماعية للمدرسة، بحيث نخفف قدر الإمكان المس بهذه الحقوق.

النقطة المهمة، من وجهة نظر الملتزم بحقوق الإنسان، هي ان الطالب والطالبة في المدرسة هم أولاً مخلوقات بشرية، وفقط بعدها هم طلاب أو طالبات.

 

ب. ما هي حقوق الإنسان للمعلم؟

“وماذا عن حقوقنا” – نداء يعيد نفسه ويسمع من كل معلم عندما نتحدث أمامه عن حقوق الطفل وحقوق الطالب. وخاصة في أيامنا، مع تردي “صلاحيات المعلم”، وازدياد حالات العنف بين الطلاب وعدم الإهتمام من الطلاب والأهل.

حسب رأينا لا يوجد تناقض بين حقوق الطالب لكونه إنسانًا وبين حقوق المعلم لكونه إنسانًا.

التمييز بين حقوق من خلال ارتباطات معينة وبين حقوق الإنسان، التي تنطبق على كل مخلوق بشري أينما كان، سارية المفعول كذلك هنا.

حقوق المعلم من خلال ارتباطات معينة يمكن أن تكون، مثلاً، حقوق مرتبطة باتفاقيات عمل، مثل الحق في سنة استكمال (من خلال اتفاقيات العمل مع المشغلين)، حقه بعلاوة عن وظيفة “مركز موضوع” أو “مركز طبقة صفوف”. وهكذا بحقوق كهذه، معظمها مرتبطة بشروط معينة على المعلم أن يقوم بها.

مقابل ذلك، لكل معلم، في كل مكان في المدرسة، في أي نوع من النشاط، توجد حقوق إنسان، حقه بألا يُهان وحقه (في الاحترام الإنساني) يجب إعطائه حرية التعبير (في حدود الحق في السمعة الحسنة اتجاه الغير وحقه في الخصوصية، مثلا)، لا يمكن المس بحقه بإجراء عادل، في حالة فحص سلوك يشتبه بأنه شاذ عن المعيار المقبول في المدرسة أو معيار وجد تعبيرًا له في القانون، يجب أن نطبق حقوقه للأمن الشخصي وسلامة الجسد (مقابل وحشية الآخرين). للراحة ووقت الفراغ (مقابل من يريد فحص شيء ما معه على الهاتف في منتصف الليل مثلاً أو ليلة العيد). ولباقي الحقوق المفصلة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق مختلفة تفصل الحقوق.

من المفهوم، أن هذه الحقوق ليست مطلقة، ويجب إيجاد التوازن بينها لكي يخفف قدر الإمكان المس بهذه الحقوق.

أهم ما في الموضوع ، من وجهة نظر الملتزم بحقوق الإنسان، هو كون المعلم كذلك في المدرسة أولاً, مخلوقًا بشريًا، وفقط بعد ذلك هو معلم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للنشر والطباعة:
  • Print
  • Facebook
  • Twitter
  • email

دليل:

التصنيفات: خلفية للمربي,مقالات رأي وأوراق موقف,مواد أثراء عامة

أضف تعليق

עליך להיות מחובר למערכת כדי להגיב.