وصلتم إلى ملفّ المواد التربوية الخاصة بجمعية حقوق المواطن.
للوصول إلى الموقع الجديد للورشة، اضغطوا هنا >>

الهجمة على الحيز الديمقراطي في جهاز التعليم – التحدي التربوي: التعامل مع موضوع النكبة، كمثال

آخر تحديث في تاريخ 16/03/2012

الهجمة على الحيز الديمقراطي في جهاز التعليم – التحدي التربوي: التعامل مع موضوع النكبة، كمثال

شرف حسان 

 

نشيطات ونشطاء تقدميون يحيون ذكرى النكبة في “ساحة رابين”، تل أبيب، 2005 (عن موقع: ذاكرات-زوخروت)

*من يتابع نقاشات في لجنة التربية التابعة للكنيست والتصريحات التي تطلق من قبل التيارات اليمينية والفاشية حول وجود “النكبة” في مناهج وكتب التدريس، يأخذ انطباعاً بأن النكبة والرواية التاريخية الفلسطينية موجودة وبقوة في مناهج التعليم في اسرائيل! هذا الانطباع الخاطئ ينبع من الضجة الهائلة حول كل حرف او كلمة او فقرة او حدث خارج عن “الإجماع” الصهيوني المهيمن*


عندما تحدث رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، قبيل الانتخابات الأخيرة، عن رؤيته التربوية كان في مركز خطابه حديثه عن النكبة: “أول ما سنقوم به هو إخراج النكبة وإدخال جابوتنسكي وتراث هذا الشعب”. تلا هذا التصريح، تصريحات رنانة أخرى لقيادات وتيارات يمينية متطرفة بروح تصريح نتنياهو واتخاذ قرارات لوزير المعارف تمنع استعمال المصطلح “نكبة” في مناهج وكتب التعليم. الوزير ذهب الى ابعد من ذلك، حين أمر بجمع نسخ كتاب في التاريخ من المكتبات يتطرق الى مسألة “التطهير العرقي” في الـ 48. بضغط من وزارة المعارف، اضطر القائمون على موقع انترنت لتعليم المدنيات تابع لمركز التكنولوجية  التربوية (مطاح) لإزالة مواد متعلقة بالنكبة وبقصص عن اللاجئين الفلسطينيين من الموقع. رئيس السكرتارية التربوية طلب من القائمين على موقع “قاسم مشترك” إزالة شعار(لوجو) وزارة المعارف عن الموقع بسبب مضامينه التعددية. هذه الأمثلة هي قسم بسيط مما يحدث مؤخراً على الجبهة التربوية بما يتعلق بموضوع التطرق للنكبة في مناهج التعليم.

 

*ما بين ساعر و”إم تيرتسو”
في هذه الحالة، أيضاً، يظهر مدى التعاون ما بين متخذي قرارات في وزارة المعارف على رأسهم الوزير غدعون ساعر بنفسه وما بين الجمعيات والتيارات اليمينية المتطرفة وفي مركزها حركة “إم تيرتسو”. فالتفاعلات تجري في الاتجاهين وتأتي بنتائجها المدمرة؛ الجمعيات اليمينية “تكشف” عن مضامين لا تتماشى مع الرواية الصهيونية اليمينية، “تضغط” و”تهاجم”وزراة المعارف، والوزارة “تحقق في الادعاءات” و”تدرس” وتتخذ الخطوات والتدابير اللازمة لـ”تطهير” التربية من أي مضامين غير صهيونية او ناقدة . واتجاه التفاعل الثاني أيضاً صحيح، فالساسة في الحكومة وفي المعارف يطرحون رؤية “تربوية” بروح اليمين المتطرف، والجمعيات اليمينية تأتي باقتراحات عينية تتماشى مع رؤية الحكومة لحثها على اتخاذ قرارات فورية لتغيير الوضع. هذه الديناميكية تزيد من تسارع الأحداث والقرارات البنيوية المصيرية التي تتخذ بدون نقاش ودراسة جدية لا مهنياً ولا جماهيرياً.  تلك الحركات اليمينية والفاشية تستغل الرأي العام في اسرائيل الذي يزداد تطرفاً لخلق ضجة حول كل ادعاء او قضية يثيرونها لزيادة الضغط لاتخاذ قرارات مباشرة بعد إثارة كل زوبعة. بعض هذه القوى وجدت لها تكتيكاً أخر، قديماً ومفضوحاً ولكنه مؤثر، وهو المزاودة من الجهة اليمنى على الوزير واتهامه بالميول اليسارية والليبرالية وبالاستمرار بنفس نهج يولي تمير، الوزيرة التي سبقته في الوزارة، رغم تصريحاته ورؤيته المختلفة عنها. هذه الهجمة “اليمينية” ضده لا تبقي أمامه خياراً سوى “الدفاع” عن نفسه وإطلاق المزيد من التصريحات والمبادرات اليمينية  لإبعاد “التهمة” عنه محاولاً إرضاء جمهوره اليميني.

*هل “النكبة” موجودة فعلاً في مناهج التعليم؟..


المراقب للنقاشات الجارية في لجنة التربية التابعة للكنيست وللتصريحات التي تطلق من قبل التيارات اليمينية والفاشية حول وجود “النكبة” في مناهج وكتب التدريس، يأخذ انطباعاً بأن النكبة والرواية التاريخية الفلسطينية موجودة وبقوة في مناهج التعليم في اسرائيل. هذا الانطباع الخاطئ ينبع من الضجة الهائلة حول كل حرف او كلمة او فقرة او حدث خارج عن “الإجماع” الصهيوني المهيمن. الحقيقة هي انه لم تكن في وزارة المعارف تغييرات جذرية في التوجهات منذ إقامة الدولة، بل كانت هناك إصلاحات معينة في العقدين الأخيرين ربما كانت الوزارة مضطرة لإحداثها في ظل التغييرات البنيوية الكبيرة في البلاد والعالم كي تبقى الأمور على الصعيد التربوي تحت السيطرة. الانفتاح الذي حدث كان لا بد منه في ظل كل التطور والتقدم والتغييرات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية وغيرها. كل الإصلاحات الهامة التي حدثت في التوجهات التربوية كان هدفها ملاءمة جهاز التربية والتعليم لمرحلة جديدة مختلفة وليس تغييره جذرياً. هذه التغييرات ساهمت في توسيع الحيز والهامش الديمقراطيين، تربوياً. توجهات منفتحة وناقدة دخلت الى وزارة المعارف أحدثت بعض الإصلاحات الديمقراطية المحدودة في مناهج التعليم وبضمنها كان التطرق الى طروحات أخرى حول ما جرى في العام 48 والتطرق لروايات أخرى غير الرواية الصهيونية المركزية التي بقيت مهيمنة وفي الصدارة في جميع مواضيع التعليم.
في مواضيع مثل التاريخ والمدنيات أدخلت مواد محدودة تتحدث عن النكبة وعن التهجير ومواضيع معينه استعرضت من وجهات نظر مختلفة مع الحفاظ على مركزية التوجه الصهيوني. هذه المواد أدخلت كي يعرف الطلاب عن وجود روايات واراء أخرى وليس بهدف الاعتراف بالآخر وبروايته – واعتقد أن الهوة ما بين “التعرف على”  و”الاعتراف بـ” هي هوة كبيرة! هذه التغييرات أعطت شرعية كبيرة للمعلمين في طرح مواقفهم وطرح وجهات نظر متعددة وناقدة. في نهاية ولاية الوزيرة يولي تمير صدر عن لجنة خاصة ترأسها بروفسور غابي سلمون ود. محمد عيساوي كانت قد عينتها تمير، تقريراً هاماً حول “التربية للحياة المشتركة بين اليهود والعرب في اسرائيل”  شمل توصيات لتغييرات جدية كان من الممكن ان تعمق من الإصلاحات الديمقراطية في جهاز التربية والتعليم. الا انه وللأسف الشديد قام الوزير ساعر بتجميده مباشرة بعد تعيينه وزيراً للمعارف معلناً عن سياسة جديدة مناقضة للتوجه الإصلاحي المنفتح، نسبيًا، تسعى لتقليص الهامش الديمقراطي في الوزارة . فحسب خطاب الوزير، لا يوجد مكان لتوجه أخر غير التوجه الصهيوني- القومي والديني في جهاز التربية والتعليم.
سلسلة التصريحات والقرارات المتعلقة بالنكبة لا تهدف فقط الى منع استعمال مصطلح “النكبة” بل هدفها المس بشرعية كل من يحاول التطرق لما حدث في ال 48 من وجهة نظر مغايرة للتوجه المهيمن في اسرائيل. هذه الهجمة تسعى لفرض جو ورأي عام معاديين لكل توجه ناقد وكل توجه تربوي لمربين عرب ويهود يريدون الحديث مع طلابهم عن النكبة وعن قضايا من وجهة نظر مختلفة للتيار المركزي  الطاغي اليوم في البلاد بهدف ثنيهم عن ذلك. الضغط الاجتماعي والخوف عند بعض العاملين والناشطين في الحقل التربوي من نتائج تحدي الجهاز له إسقاطاته غير التربوية وله دوره في تقليص الهامش الحر، الضيق أصلاً، في التربية والتعليم.

*المطلوب – تغيير اتجاه


لا استهتر بهذا الهامش الديمقراطي الضيق ولا بأهميته، بل بالعكس. أعتقد أن تلك الإصلاحات الديمقراطية التي حدثت هي هامة جداً ومباركة ولكنها ليست كافية، فالمطلوب هو تغيير اتجاه جذري في التوجه التربوي وفي السياسة التربوية. إن ما يحدث اليوم من نشاط متزايد للمس بهذا الهامش هو خطير للغاية وله نتائجه المأساوية.  فمن غير الصحي إطلاقاً ألا يتعلم الطالب العربي في المدرسة عن النكبة وعن تاريخه وحضارته وثقافته وان لا يعرف الطالب اليهودي ولا يعترف برواية الـ 48 والنكبة والتهجير واللاجئين، من وجهة نظر العربي. هذا الوضع اللامنطقي يشكل أرضية خصبة لتنامي الكراهية والعنصرية وعدم تقبل الآخر ولانتشار قيم وممارسات معادية للديمقراطية ولحقوق الإنسان في المجتمع.

* كاتب المقال هو مدير قسم التربية في جمعية حقوق المواطن في اسرائيل.

للنشر والطباعة:
  • Print
  • Facebook
  • Twitter
  • email

دليل:,

التصنيفات: مقالات رأي وأوراق موقف

أضف تعليق

עליך להיות מחובר למערכת כדי להגיב.