وصلتم إلى ملفّ المواد التربوية الخاصة بجمعية حقوق المواطن.
للوصول إلى الموقع الجديد للورشة، اضغطوا هنا >>

كلمة الكاتب سامي ميخائيل، رئيس جمعية حقوق المواطن، في مؤتمر “ليس فقط في المدرجّات بل على مقاعد الدراسة أيضا” لجمعية حقوق المواطن وسمينارالكيبوتسات 17/3/2013.

آخر تحديث في تاريخ 10/06/2013

وباء العنصرية---225~1

 منذ البداية دأبت أمّنا الطبيعة على تطوير وسائل البقاء من أجل الحفاظ على المخلوق الحي من المخاطر التي تتربص بها. نظام تغيير اللون لدى الحرباءة هو أحد الأمثلة الواضحة على ذلك. لون بشرتها يتبدّل حسب البيئة أو الضوء أو درجة الحرارة ولدى اقترابها من خطر. هذه القدرة على الاندماج في بيئتها تمنحها احتمالات الحياة.

مثل هذا النظام استعمله الجنس البشري، أيضا، في سعيه إلى حفظ وجوده.ومقولة أن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع، هي مقولة حفرتها في وعينا نماذج هجومية متلهّفة للقتال كذلك المقولة التي تقترح أن “الآتي إلى قتلك بكّر واقتله”. هتلر وكل المسوخ التي سبقته وأعقبته ادعوا أنهم يستبقون ضربة قد توجّه إليهم وأنهم يردّون على نوايا مبيّتة لدى ضحاياهم.إلا أن الطبيعة تعتقد غير ذلك. فالدفاع المتطور هو الطريقة الأكثر توفيرا والأفضل لحفظ الحياة خلافا للتورّط في مغامرات قاتلة. التمويه هو النظام الذي يمنح مملكة الأحياء مواصلة البقاء في بيئة عدائية. فالوجه الفاتح لإنسانوسط الأدغال يُشكّل هدفا سهلا لكل معتدٍ بينما تندمجالوجوه القاتمة مع البيئة. كما أن اللون الأسمر يمنح ابن الصحراء إمكانية الاندماج مع الرمل،والجسد الأبيض يكاد لا يُرى في بلاد الثلج.

إن استغلال نظام البقاء العجيب هذا لتبرير التمييز والإقصاء والكراهية والعنصرية هو عمل وضيع يشذّ عن الطريق السوية. يُذكَر القرن الماضي في التاريخ على أنه قرن انفلتَ فيه وباء العنصرية بالشكل الأوسع في تاريخ الإنسان. وقد حصد عشرات الملايين من الضحايا. المروّع في هذا الوباء أن مصدره لم يكن في المناطق الفقيرة والقاصرة من الحاضرة الإنسانية بل ولدت في قلب أوروبا، القارة الأكثر تنورا على الكرة الأرضية. وقد وجد له صدى من اسكندنافيا شمالا عبر جنوب أفريقيا وصولا إلى أمريكا الشمالية. أماالأمر الأكثر مبعثا للخجل فهو العدد الهائل كموجة جراد لرجالات الثقافة والعلماء والمؤرخين بوجه خاص الذين على مدى التاريخ، كنا نحن اليهود، أحد الأهداف المركزية لسهام هذا الوباء. لقد دفعنا في القرن الماضي الثمن الأعلى بحيث تم إبادة ثلثنا تسميما أو حرقا بغير شفيع أو حامٍ. كفتى يهودي في بغداد في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي رأيت أنه حتى الدول الديمقراطية والعالم المتنوّر والليبرالي ظاهريا التزم الصمت. بدا لي حينها أنه من ناحية ثقافية فإن الكراهية العرقية قد تفشّت يومها من أقاضي الأرض إلى أقاصيها. سجال يُصنّف على أساس عرق أو أصل أو لون البشرة أو الجنس أو ثقافة مغايرة وتقاليد أخرى، غسل الدماغ البشري دون عائق. ومن المقلق في هذه الظاهرة أنه نشأت بين ضحايا هذا التصنيف العنصري النازي مثل العرب واليهود أيضا أصوات مُستنكَرَة تؤيّد هذه النظرية. وأكثر، فقد طلبت هذه الأصوات تطبيق النظرية في شعوبها. لا أزال أذكر شعارات “الجرافيتي” على الجدران في طريقي إلى المدرسة في بغداد: “هتلر يُبيد الحشرات”. كم كان مؤلما أن أكتشف أنأيدي عدد من العرب الذين ذُكروا في كتاب هتلر “ماين كامفف” على أنهم أدنى من البشر تبنوا هم كذلك هذه النظرية الحقيرة. واكتشفت لاحقا أن عددا من آباء الصهيونية كانوا مصابين بهذا الوباء حتى النُخاع. أحدهم، وقد سمّي باسمه شارع عزيز عليّ في حيفا ربط بين بيتي على الكرمل وبين بيتي الأول في وادي النسناس، سمّي هذا الشارع باسم أرتور روبين الذي اشتغل على “طهارة العرق”. وقد شكّك هذا السيد بانتماء الشرقيين لـ”العرق اليهودي”. واعتقد أن اليمنيين ليسوا يهودا. وحسب اعتقاده ليس هناك يهود سُمر البشرة. وقد طالب روبين هذا أيضا حظر الزواج بين الأشكناز وبين يهود يمنيين سُمر في حينه. شارع روبين في حيفا هو في نظري أحد أجمل الشوارع في العالم. كنت أسافر عبره يوميا أو أصعده ماشيا إلى بيتي حيث عاشت زوجتي الأشكنازية وولداي المختلطان العزيزان على قلبي. بعد ستين عاما لا أعرف كيف أواجه الفجوة بين نظرية السيد روبين وبين النتيجة المدهشة لذريّتي وهم رجال تربية وعمل وذوو إنجازات مباركة.

لا أستطيع فهم كيف أن ضحايا العنصرية يُمكن أن يكونوا عنصريين بأنفسهم. كيف أن الثلثين اللذين بقيا من وباء العنصرية الفتّاك يُقيمون دولة توطّنت فيها العنصرية بشكل مُقشعرّ بدءا من ملاعب كرة القدم مرورا بالسياسة وانتهاء بالثقافة على تشكلاتها.

كانت الولايات المتحدة الدولة العُظمى الأخيرة التي حظرت تجارة العبيد سود البشرة. كانت الدولة الغربية الأكبر التي واصلت اعتماد سياسات عنصرية تجاه السود. حتى بعد هزيمة ألمانيا النازية لم تتخلص من السياسة العنصرية تجاه السود. كان لزاما في خمسينيات وستينيات القرن الماضي خوض نضال بطوليّ من أجل منح السود حق مجالسة البيض في الحافلات ذاتها والتعلّم معهم على مقاعد الدراسة ذاتها.كيف حصل بعد نصف قرن أن دولة لا تزال الأشباح العنصرية تمسك بأذيالها تنتخب رئيسا أسود البشرة ومثار إعجاب في العالم. أذكر الشخصيات السوداء التي عرضتها السينما الأمريكية إلى سنوات الخمسين المتأخرة. مثّلت النساء السوداوات دائما دور الخادمات. وكنّ دائما سمينات وكبيرات وعلى وجوههن تعابير طفولية. أما الرجال السود فكانوا ماسحي أحذية وعمال أميين في الزراعة. من المؤكّد أن أوباما لم يُنتخب رئيسا من ليلة إلى ضحاها بفعل ساحر بل كانت حصلت هناك قبل انتخابه بوقت طويل ثورة. حصل ذلك بالذات في استوديوهات السينما التي كانت في حينه ذروة العنصرية في تلك الحقبة القاتمة. الفن والثقافة بالذات في الولايات المتحدة كانت الجهة الطلائعية التي أحدثت تغييرا جذريا، في الوعي العام ودفعت نحو انتخاب شخصية سوداء البشرة للوظيفة الأعلى في العالم بأسره. لقد تغيرت شخصيات الإنسان الأسود في السينما الأمريكية تدريجيا.فقد نمت هذه الشخصيات وصارت شخصيات لقضاة محترمين يبتّون في الأمور في المحاكم، لعلماء روّاد ومحاضرين موهوبين في الفلسفة ولجنرالات مرموقين ومثقفين ومُبدعين ألمعيين. الأدب والموسيقى والمسرح عملت سوية مع السينما الأمريكية. وأوباما مدين كثيرا للحقل الثقافي الذي أنتج للإنسان ألأسود شخصية أخرى. لقد كان نجاح السينما الأمريكية هائلا حتى أن الكثير من الإسرائيليين كانوا على استعداد للإسهام في الحملة النتخابية لشخصية سوداء البشرة كزعيم للولايات المتحدة ولكن ليس لإسرائيل.

هل تغيّرأمر جوهري كهذا في الثقافة الإسرائيلية، منذ مقولات روبين وفرانكنشطاين اللذين وصفا الشرقي على أنه حسود ومسكون بحب الثروة من خلال شخصية صالح شباتي المنفّر انتهاء بالتعبير الأدبي لمثل هذا التوجّه الذي تجسّد في شخصية الشرقي في رواية “صندوق أسود” الذي يمتصّ دم الرجل الأبيض في إسرائيل حتى الثمالة؟ قبل مدة أعلن أحد الصحفيين على رؤوس الأشهاد أن الموسيقى الشرقية موسيقى عنيفة Hard rock ـ في جوهرها. ونسي أن فريق الأحجار المتدحرجة في بريطانيا المتنورة وموسيقاه احتلت العالم الغربي كعاصفة. منذ متى تُعتبر موسيقى هي بحر من الدموع والأشواق عنيفة؟

الفوارق الاجتماعية العنصرية قائمة في إسرائيل والولايات المتحدة منذ البداية وإن لوّحت أمريكا براية الدستور الذي يضمن المساواة وتفاخرت إسرائيل بوثيقة الاستقلال الساعية إلى تحقيق المساواة. بينما كلا الدولتين أخطأتا خطأ كبيرا في موضوع المساواة وحقوق الإنسان. يؤسفني أن أسجل أمامكم وبعد مرور السنين أنه حصل في إسرائيل عكس ما حصل في الولايات المتحدة. في الثقافة وأروقة الحكم تحديدا هناك ميل عنيد للتمسّك بالتوجّه العنصري. في قيادات الأحزاب السياسية، في الكنيست، بين الوزراء، في قاعات المسرح والمحاكم، إذ كان ذلك من حيث القوى البشرية ومن حيث المضامين، فإننا لا زلنا نلمس غياب التمثيل لمواطنين إسرائيليين مختلفين: النساء، الشرقيون، القادمون والعرب. لو أنه أقيم جدار فصل في ساحة مدرسة لغرض منع التواصل بين طلاب على خلفية لون بشرتهم وانمائهم ومكان سكناهم، بعيدا عن إسرائيل، كنا بالتأكيد سنملأ الدنيا صراخا.كنّا سنقلب الدنيا رأسا على عقب لو أن طلابا يهودا في لندن أو باريس أبعدوا إلى ما وراء جدار فصل. لكن هذا ما حصل عندنا في دولة إسرائيل في الألفية الثالثة. فاللون الأسود تحوّل أحمرَ في عيني الثور العنصري الإسرائيلي. بسبب التوجّه الخاطئ في جهاز التعليم وفي حقل الثقافة بوجه خاص، فإن ضحايا العنصرية تحوّلوا إلى عنصريين أشداء تجاه فئات أدنى منهم في المجتمع الإسرائيلي:  ها هو عضو بلدية تل أبيب عن “شاس” يُطالب بالفصل بين أولاد إسرائيليين وأولاد اللاجئين والعمال الأجانب في المدارس والروضات. وطالب هذا العضو من وزير المواصلات أن يُخصّص حافلات خاصة ـ أي منفصلة ـ للعمال الأجانب واللاجئين. وقد تردد صدى مثل هذا المطلب المُستنكَر في جنوب الولايات المتحدة وأثار في حينه حفيظة أنصار شجعان لحقوق الإنسان بينهم يهود وسود البشرة حد أن ضحّوا بحياتهم في النضال ضد الفصل العنصري في المدارس وفي المواصلات العامة وغيرها.

في إسرائيل اليوم، أيضا، لا أحد يستطيع أن يضمن لشخص لون بشرته برونزية، وأكثر، سوداء أن يدخل ناديا ليليا للترفيه.فلاعب كرة القدم المسلم لا يزال عُرضة للتشهير والشتائم حتى عندما يسجل هدفا لصالح فريقه اليهودي النقي عرقيا كما يدعون. العنصرية الموجّهة ضديهود من البلدان الإسلامية وضد مهاجرين من أثيوبيا وروسيا وضد اللاجئين ومهاجري العمل وضد المجتمع المثلي والقائمة طويلة ـ هو فصل في الوباء العنصري الأعمّ. فالعنصرية تجاه العرب تتخذ لها أشكالا أكثر حدّة من حيث الحجم ومن حيث العنف. فهتافات “الموت للعرب” و”لينقلع العرب” هي هتافاتتبثّ الشرّ. “ما الذي أريده؟” ـ قال كاتب إسرائيلي هام جدا ـ “لا أريد رؤية وجوههم”. في إسرائيل اليوم يتم نقل الفلسطينيين في حافلات منفردة وفق النظرية القائلة بوجوب الفصل بيننا وبين الآخر وإبعادهعنّا وحجبه عن أعيننا قدر المستطاع. عرب ساروا على مهلهم في الحيز العام تعرّضوا للرجم بالحجارة، أو للاعتداء بأدوات حادة أو بالأيدي أو بهتافات عنصرية.بل أن قائد شرطة حذّر من هذه الجريمة المُستنكَرة.

في ملعب كرة القدم المركزي في القدس المتباهية وغير بعيد عن مقرّ الكنيست والحكومة والمحكمة العليا، ترتفع لافتة مٌقرفة ـ “بيتار نقية إلى الأبد”. المجرم الحقيقي هو ليس الشخص الذي يرفع هذه اللافتة العنصرية وليس ذاك الذي يركل العرب أو يرجمهم بالحجارة، ولا هو الذي ينفّذ الاعتداءات عليهم. جهاز التربية هي المذنب لأنه يقلص تدريس التاريخ العالمي إلى نحو 20%، لأن وزارة المعارف تجمع من المكتبات كتاب تاريخ أصدره مركز زلمان شزار حتى لا تُتيح للطلاب الانكشاف على زاوية نظر “الآخر”، لأنه عندما شارك طلبة مدرسة عرعرة في مسيرة حقوق الإنسان ورفعوا شعارات من أجل المساواة وضد العنصرية وبخت وزارة المعارف المدرسة بدعوى أن الأمر يُخالف مرسوم المدير العام.

جهاز التربية مذنب لأنه لم يعمل بجدية على بث الرسالة القاضية بأننا جميعا ننتمي إلى أشرفنوع وهو النوع البشري.

ليس هناك عرق أسمى أو عرق أدنى أو عرق نقي وعرق مدنّس. الأحزاب مع ممثليها الذين يُثيرون الغرائز هم المذنبون، الربانيم الذين يحثون على الكراهية والعنصرية هم المذنبون. في ضوء توقيع نحو 300 راب على فتوى دينية تمنع بيع أو تأجير شقق للأغيار، أشعر بخجل كبير. لم تكن الديانة اليهودية أبدا عُرضة للتحقير ومسمومة كما هي عليه اليوم خاصة في المناطق المحتلة وفي القدس وصفد “المقدّستين”. يتصرّف هؤلاء الربانيم كأن الله غير موجود. بل أسوأ، كأنهم هم أنفسهم الله!.الويل لنامن رب مشوّه كهذا!

يُمكننا أن نقيس مستوى العنصرية بطرق أخرى، من خلال فحص نظام الإنكار. لقد أقمنا الدنيا عندما قرروا في هيئة الأمم المتحدة أن الصهيونية أيديولوجيا عنصرية. لماذا أولئك الذين تنادوا حينها يصمتون الآن؟ وقّعت إسرائيل العام 1966 على المعاهدة الدولية لتصفية التمييز العنصري لكننا لم نقم بواجبنا تجاه النساء والمهاجرين والعرب وغيرهم.

أقترح على مَن يتبنى منظومة الإنكار هذه أن ينتحل ليوم واحد شخصية فلسطيني في المناطق المحتلة أو شخصية عربي في القدس أو صفد أو شخصية أسمر البشرة على باب نادٍ ليلي. في أجواء العنصرية ليس فقط الذي يحضّ علىالعنصرية مسؤول عن هذا الانفلات بل الذي يُنكر وجود الظاهرة مسؤول هو،أيضا،عن جريمة العنصرية. وذاك الذي لا يكون شريكا ويكتفي بلزوم الصمت من خوف أو من لا مبالاة مسؤول أيضا. هؤلاء جميعا يُمكن أن يكونوا غدا ضحايا نظام عنصري. كل هؤلاء يُمكن أن يفقدوا غدا حرياتهم ونمط حياتهم الليبرالي. وهذا ما حصل من مدة في أوروبا المتنورة ذات النزعة الإنسانية. فإذا لم نستيقظ ونجتثّ هذا الوباء العنصري فإن ذلك سيحصل عندنا غدا.

للنشر والطباعة:
  • Print
  • Facebook
  • Twitter
  • email

دليل:

التصنيفات: اقتراحات للنقاش تعقيباً على أحداث واقعية,المناسبات والأنشطة,مقالات رأي وأوراق موقف

أضف تعليق

עליך להיות מחובר למערכת כדי להגיב.