تحليل الفصول الجديدة في الكتاب التعليميّ في موضوع المدنيّات “أن نكون مواطنين في إسرائيل: دولة يهوديّة وديمقراطيّة”
د. هليلي بنسون، مختصة في مجال التربية للمواطنة
اعد التقرير بطلب من جمعية حقوق المواطن ومركز دراسات
في السنوات الأخيرة كان المنهج التعليمي لتدريس المدنيّات للمرحلة الثانويّة في صميم جدال سياسيّ جماهيريّ يقظ. نتيجة للنقاش الجماهيريّ الذي دار في السنوات الأخيرة في الهيئات المهنيّة في وزارة التربية والتعليم، في لجنة التربية والتعليم في الكنيست وفي الصحف، أُجريت تعديلات على المنهج التعليميّ (وزارة التربية والتعليم 2011) وأعيدت صياغة أجزاء من الكتاب التعليميّ الرسميّ. في إطار هذه التعديلات، أدرجت للتدريس في سنة 2013 ثمانية فصول جديدة، نُقل منها إلى العربية ستّة فصول. تركّز هذه الفصول على تعريف ومميّزات إسرائيل كدولة يهوديّة. هذه الفصول أتت لتستبدل الفصول الخمسة التي تناولت الموضوع في الكتاب بصيغته السابقة.
يهدف هذا التقرير إلى فحص التعديلات التي جرت على تدريس موضوع المدنيّات، بالشكل الذي انعكست فيه في الفصول الثمانية الجديدة، التي صدرت في السنة الدراسيّة 2013. سيتركّز التقرير، المبنيّ على تحليل دقيق للصيغة العبريّة لهذه الفصول، في أربع قضايا رئيسية:
1. الفجوات بين الفصول الجديدة وبين الكتاب التعليميّ، وأهداف تدريس المدنيّات، كما تنعكس في المنهج التعليميّ الرسميّ، بما في ذلك تغييب الخطاب التربويّ الموجّه لتطوير التفكير الناقد.
2. حالات من عدم الدقّة والتشويهات التي تنعكس في الموادّ التعليميّة الجديدة، خاصّة في طريقة عرض وجهة النظر الديمقراطيّة الليبراليّة.
3. تحديد الخطاب العرقيّ – القوميّ، كخطاب رئيسيّ، بل حصريّ.
4. تمثيل الأقلّيّة العربيّة الفلسطينيّة في إسرائيل، والتحدّيات التي يضعها هذا التمثيل أمام التربية الديمقراطيّة عامّة، وكذلك أمام التربية للمواطنة في المدارس العربيّة خاصّة.
هنالك عدّة استنتاجات مركزيّة تنبع من تحليل هذه الفصول. أحد أبرز توجّهات الصيغة الجديدة هو تغيير محور التعلّم. ففي حين أنّ الصيغة السابقة من الكتاب كانت توجّه إلى التعلّم التراكميّ حول تعريف دولة إسرائيل كدولة يهوديّة وديمقراطيّة، نجد أنّ التعلّم اللّولبيّ (التراكميّ) في هذه الصيغة يتمحور حول الفكرة القوميّة، نموذج دولة القوميّة العرقيّة ودعم شرعيّة دولة إسرائيل كدولة قوميّة يهوديّة.
على طول الفصول الثمانية الجديدة، بالكاد يَرِد تعريف دولة إسرائيل كدولة يهوديّة ديمقراطيّة. علاوة على ذلك، حتّى في الحالات التي يَرِد فيها هذا التعريف، فإنّه يوضَّح للتلاميذ، ومن خلال طريقة تنظيم النصّ، أنّ لتعريف إسرائيل كدولة يهوديّة هنالك أفضليّة على تعريفها كدولة ديمقراطيّة. كلّ هذا يحدث في حين أنّ نموذج دولة القوميّة العرقيّة – الثقافيّة، يُعرض على طول الفصول الثمانية كنموذج مفضّل، بل وحصريّ تقريبًا.
يُضاف إلى هذا التوجّه تغيير تربويّ جوهريّ أيضًا: شمل الكتاب التعليميّ بصيغته السابقة توجّهًا تربويًّا مكثّفًا، واحتوى على مهامّ هدفها تطوير التفكير الناقد والمستقلّ عند التلاميذ، من خلال التعامل مع قضايا محطّ خلاف في المجتمع الإسرائيليّ. في المقابل، تتبنّى الفصول الثمانية الجديدة توجّهًا تربويًّا ضيّقًا، يتطلّب حفظ الرسائل الرسميّة فقط عن ظهر قلب وتذويتها. الأسئلة الموجّهة للتلاميذ والتي ترد على طول الفصول الجديدة ليست أسئلة تفكير أو أسئلة تهدف إلى تعزيز القدرة على تقديم الحجاجات والادّعاءات، بل إنّها أسئلة مغلقة يطلب فيها من التلاميذ إبراز قدراتهم على الحفظ عن ظهر قلب، وتكوين تكامل بين الموادّ التعليميّة فقط.
علاوة على ذلك، عندما يتمّ تداول مواضيع محطّ خلاف اجتماعيّ وسياسيّ، وخاصّة قضايا تتناول طابع وتعريف دول إسرائيل والمواطَنة الإسرائيليّة، فإنّ التلاميذ مطالبون بالإجابة عن أسئلة، في حين أنّ المواقف المختلفة لا تُعرض عليهم بصورة متوازنة وفي كثير من الحالات تَرِد “الإجابة المرجوّة” في النصّ.
الفصول التعليميّة الجديدة تغصّ بحالات من عدم الدقّة، وتبرز بشكل خاصّ في هذا السياق، طريقة عرض فكرة القوميّة: على طول الفصول الرئيسيّة الثلاثة التي تتناول هذه الفكرة، فإنّها تُعرض على أنّها فكرة عصريّة ترتبط بأصول تاريخيّة قديمة، وذلك من خلال ما يبدو كرغبة في ترسيخ أحد التبريرات لوجود دولة يهوديّة حسب الرواية الصهيونيّة، التي ترى أنّ هنالك علاقة بين الوجود اليهوديّ في البلاد في فترة الهيكلين الأوّل والثاني وبين دولة إسرائيل. بهذه الطريقة يخلق الكتاب فصلًا مصطنعًا بين القوميّة ودولة القوميّة عامّة، اللذين يُعرضا كفكرة عصريّة ظهرت في العصر الحديث، وبين القوميّة اليهوديّة التي تُعرض كفكرة قديمة.
على طول الفصول الثمانية الجديدة يتبنّى الكتاب توجّهًا موحّدًا يركّز على مبدأ مدنيّ واحد منظّم وهو الخطاب العرقيّ- القوميّ. يضع هذا الخطاب في محور الفكرة المدنيّة قضيّة الانتماء إلى مجموعة متجانسة عرقيًّا وقوميًّا، ورسم حدود بين الـ “نحن”والـ “هم”، بالإضافة إلى أنّه يتمّ التعامُل مع الانتماء إلى الدولة والحقوق، أوّلًا وقبل كلّ شيء، كنتيجة للانتماء إلى نفس المجموعة. على إثر فرض هذا النموذج، يحوّل الكتاب المكانة المتدنّية للأقلّيّات والمسّ بحقوقها إلى أمر طبيعيّ، ويُعرض هذا المسّ على أنّه “شرٌّ لا بدّ منه” في الطريق إلى تحقيق فكرة دولة القوميّة الثقافيّة. الرسالة الخفيّة التي يتمّ نقلها للتلاميذ هي أنّ المسّ بحقوق الأقلّيّات هو أمر يمكن قبوله، تحت ذريعة دولة القوميّة العرقيّة- الثقافيّة. فعلى سبيل المثال يدعم الكتاب المفهوم الذي يدّعي أنّ للأقلّيّات حقوق محدودة في التأثير على الساحة العامّة والتعبير عن ثقافاتها في الحيّز العامّ، ويُعرض هذا المفهوم على أنّه تبرير ليبراليّ لدولة القوميّة الثقافيّة. لكن، عمليًّا يعتبر هذا المفهوم تعزيزًا للخطاب العرقيّ القوميّ. أضف إلى ذلك أنّ هذا التوجّه الموحّد لا يتوافق بالضرورة مع أهداف المنهج التعليميّ نفسه، الذي من ضمن أهدافه إنشاء حيّز مدنيّ مشترك.
النقطة الأخيرة التي يتناولها هذا التقرير هي مدى التعبير عن المواطنين العرب في إسرائيل وتمثيلهم. إلى حدّ بعيد الطريقة التي تتطرّق بها الصيغة المحتلنة من الفصول الجديدة ّ، وخاصّة الفصل الثامن الذي يتناول الأقلّيّات، إلى مكانة وحقوق الأقلّيّة العربيّة، تذكّرنا بالخطاب الذي كان متعارفًا عليه حتّى التسعينات بالنسبة لهذه الأقلّيّة: اعتبار الأقلّيّة العربيّة مجموعة من مجموعات الأقليّات العرقيّة الدينيّة الثقافيّة، من خلال الحدّ من معنى الطابع المشترك لها وهو الهويّة العربيّة الفلسطينيّة، بل وتجاهله. صحيح أنّ الفصل الجديد الذي يتناول الأقلّيّات لا يتجاهل بالكامل عنصر الهويّة القوميّة، لكن في حين أنّه لا يوجد تطرّق تقريبًا إلى الهويّة الفلسطينيّة، فإنّنا نفاجأ أنّ الكتاب يعرّف الهويّة القوميّة العربيّة بمصطلحات “العروبة الشموليّة”. يجب التحقّق من مدى صلة هذا المصطلح الذي ظهر في القرن السابق، بالنسبة للتلاميذ العرب حاليًّا. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ استخدام هذا المصطلح، والتأكيد على الصلة بين الأقلّيّة العربيّة في إسرائيل والدول العربيّة، يولّد انطباعًا أنّ هذا ليس إلّا محاولة لتهيئة الأرضيّة لتعبيرات تلغي الحقّ الفلسطينيّ في تقرير المصير، بادّعاء أنّ قوميّتهم قد تحقّقت في 22 دولة عربيّة.
إنّ مناقشة مكانة وهويّة الأقلّيّة العربيّة في فصول الكتاب التي جرى تحليلها تفتقر إلى السياق أيضًا: يتمّ تقديم المعلومات للتلاميذ منقطعة عن أيّ سياق اجتماعيّ أو سياسيّ، بطريقة لا تتيح للتلاميذ رؤية صورة كاملة ومركّبة للواقع الاجتماعيّ – السياسيّ في إسرائيل وللعوامل التاريخيّة التي صمّمتها. فعلى سبيل المثال، بناءً على فصول الكتاب أصبح العرب أقلّيّة دون تقديم تفسير يبيّن سياق رواية معيّنة أو غيرها من الروايات في هذا الشأن. قد نجد مثالًا آخر على انعدام السياق في الطريقة التي يتطرّق بها الكتاب إلى تحديد مكانة وموقع الأقلّيّة العربيّة في إسرائيل على الصعيد الاقتصاديّ-الاجتماعيّ. فمثلًا عندما تُعرض على التلاميذ معطيات حول نسبة المشاركة المتدنّية للعرب في سوق العمل، فإنّ التلاميذ لا يحصلون في هذه الحالة أيضًا، على معلومات عن السيرورات التي أدّت إلى هذه الظاهرة. وعلاوة على ذلك يمكننا أن نستنتج من طريقة عرض الأمور أنّ نسبة المشاركة المتدنّية هي تعبير عن عدم انتماء العرب للدولة. وأخيرًا حريّ بنا أن نؤكّد على أنّه في إطار مناقشة مكانة الأقلّيّة، فإنّ الفصول التي يتناولها هذا التقرير لا تتطرّق إطلاقًا للتمييز البنيوي والرمزيّ الذي تعاني منه هذه الأقلّيّة. يبرز هذا النقص أيضًا على ضوء عدم التطرّق إلى الحقوق الجماعيّة للأقلّيّة العربيّة في هذه الفصول.
بناءً على هذه الاستنتاجات، يوجّه هذا التقرير توصيات لوزارة التربية والتعليم لاتّخاذ الخطوات التالية:
- على ضوء العيوب التي تمّ اكتشافها في الفصول، خاصّة بالنسبة لحالات عدم الدقّة الكثيرة التي وثّقها هذا التقرير، على وزارة التربية والتعليم أن تسحب فورًا هذه الفصول الثمانية الجديدة، حتّى الانتهاء من فحصها مرّة أخرى وبدقّة.
- لتفادي العيوب التي اكتشفها هذا التقرير ومحاولة وضع كتاب أكثر توازنًا، يحب تعيين المزيد من المستشارين الأكاديميّين ومحاضرين ليبدوا آراءهم المهنيّة بالنسبة للكتاب، من وجهات نظر أكاديميّة وسياسيّة مختلفة.
- لتفادي العيوب في طريقة عرض الأقلّيّة العربيّة وهويّتها، ومن باب القيام بمحاولة جادّة وحقيقيّة لوضع منهج تعليميّ وكتاب مشتركَين يجب، وبشكل واضح وجديّ، إشراك خبراء، أكاديمييّن ورجالات تربية (ليسوا بالضرورة مرتبطين بوزارة التربية والتعليم) من الجمهور العربيّ في عمليّة تصحيح وإعادة تصميم الموادّ التعليميّة، من خلال التعامل مع القضايا محطّ الخلاف في المجتمع في اسرائيلي.
لطباعة موجز التقرير بلعربي اضغط هنا.
للتقرير كامل بلعبري: اضغط هنا
قسم التربية -جمعية حقوق المواطن.