د.أوكي مروشك-كلارمن
النقاش الدائر هذه الأيام حول مسألة سلطة البث والمؤسسات العامة، يكشف معضلة عميقة في مسألة الديمقراطية الحاسمة. هل ينبغي أن تكون حرية التعبير حقاً ديمقراطياً أم علينا التعامل معها كمنتج استهلاكي يخضع لقواعد السوق؟
من خلال الحسم في هذه القضية المهمة يمكننا الحصول على إجابات للجدال القائمة اليوم حول الفضاء الإعلامي في إسرائيل وميزتيه . فهم الجدال يسمح لنا نحن المواطنون ليس فقط بأتخاذ قرار حول الأولوية لإغلاق سلطة البث على حساب اقامة اتحاد بث عامة جديدة أو العكس، بل اتخاذ قرار إذا كانت التغييرات المقترحة على قانون البث العام ستسمح لاحقاً بتسميته بهذا الاسم.
ما الذي يعنيه فهم حرية التعبير كحق وما هي تبريرات التعامل معها على هذا الأساس؟
النظر إلى حرية التعبير كحق، يعني أنها متاحة لكل شخص بشكل متساوي، وأن مسؤولية جعلها متاحة لجميع الشركاء في الحيز الديمقراطي تقع على المجتمع وعلى الدولة. وتنعكس هذه المسؤولية بطريقتين: الأولى – لا يمكن تقييد هذه الحرية، ومن أجل القيام بهذا لا يكفي وجود “مجرد تبرير”؛ الثانية – التعامل مع حماية الحق كواجب فعلي، يعني ذلك خلق ظروف تمكن الجميع في التعبير بحرية وبشكل فعلي في الحيز العام، الواقعي والإعلامي. البث العام هو احد الوسائل لإحقاق الحق المتساوي بحرية التعبير لجميع المواطنين، دون تفرقة على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة أو القومية. وهو من المفترض أن يكون في هذا السياق متحرراً من الضغوطات السياسية والاقتصادية والدينية والقومية وغيرها[1].
ما معنى التعامل مع حرية التعبير كمنتج استهلاكي وما هي تبريرات التعامل معها بهذا الشكل؟
معنى التعامل مع حرية التعبير كمنتج استهلاكي مختلف تماماً. فوفق هذه الطريقة، يكون التعبير وتكون المعرفة منتجاً استهلاكياً. ومن يمتلك الوسائل لشرائها يمكنه الحصول عليها، ومن يمتلك الوسائل لصنعها يمكنه الاختيار بين توفيرها أو عدمه. التعامل مع التعبير والمعرفة كمنتج، يعني انعدام المساواة في تزويد هذه الاحتياجات، وانعدام الالتزام بتوفيرها من قبل المجتمع والدولة وانعدام المساواة في القدرة على امكانية خلقها أو الحصول عليها.
بناءً عليه فأن الاختيار بين البث الخاص والبث العام، هو اختيار بين الاعتراف بحرية التعبير والمعرفة كحق وبين حرية التعبير والمعرفة كسلعة. البث العام في هذا السياق هو أحد وسائل ضمان حرية المعرفة وحرية التعبير كحق مركزي مهم لترسيخ الديمقراطية. ومن أجل أن يقوم بدوره هذا، عليه أن يلبي عدداً من الشروط:
1. عليه أن يكون متحرراً من التدخلات السياسية، والاقتصادية والقومية والجندرية وغيرها.
2. يمتلك حرية الإنتاج والإعلام والرقابة والإفصاح وغيرها.
3. وجود ظروف واقعية لاستغلال إمكانيات التعبير وتسهيل الوصول إلى المعرفة.
ما الذي يعنيه وجود ظروف حقيقية لضمان حرية التعبير والحصول على المعرفة؟
أ. حماية استقلالية البث: إدارة ذاتية متحررة من الضغوط السياسية.
كي تمنح إمكانية متساوية لجميع الآراء السياسية ليتم التعبير عنها في الفضاء العام ومن أجل أن يكون المواطنون أحراراً في اختيار الإمكانيات المفضلة عليهم بشكل مدروس، يجب التأكد من أن لا يكون السياسيون هم المسؤولون عن استقلالية البث والسلطة. في حال كان الإعلام في يد السياسيين، ستكون هناك خشية كبيرة من تحولها لوسيلة تدعو لأيديولوجية معينة، بدل أن تكون مكاناً للأفكار والحوار لمجموع السياسيات القائمة ودراسة تأثيرها الايجابية والسلبية المتوقعة على مستقبلنا.
ب. تمثيل متساوٍ لجميع الأطياف في اللجان، وفي الإدارة وفي البث – الثقافات، والإيديولوجيات، والسياسيات والجندر.
“إقصاء جزء كبير من المواطنين في الدولة من الحيز الإعلامي يضر بحقهم في المساواة، وبقدرتهم على المشاركة بشكل متساو في التأثير على حياتهم – وحصولهم على الاحترام. ولا نتحدث هنا عن تأثير مقصود على حرية التعبير بل عن فشل – بمعنى الامتناع عن المبادرات التي تشمل الأطياف التي نتعامل معها. نحن نحاول هنا في النهاية أن نتدخل في قرارات الجهات الإعلامية وفرض أو عدم فرض المساواة وحرية التعبير عليها. هذا التدخل هو مسألة شائكة جداً ولذلك نستبق الأمور ونقول ونوضح انه يفضل الامتناع قدر الإمكان عن التدخل في الإدارة الذاتية لوسائل الإعلام، فهذا الأمر يمكن أن يضر باستقلاليتها. مع هذا فنحن على قناعة بأنه يجب لفت الانتباه لظاهرة الإقصاء الإعلامي وأنه على وسائل الإعلام نفسها أن ترى في وصولها لجميع أفراد المجتمع جزءاً من مسؤوليتها المهنية”[2]
ج. إنتاج متحرر من الضغوط الاقتصادية – اعطاء فرص التعبير للإبداعات عالية الجودة غير مجدية اقتصادياً والإبداعات المجدية اقتصادياً.
“المؤسسات الاقتصادية، والأقلية الحاكمة وكبار رجال الأعمال لا يحتاجون إلى البث العام؛ فهو من الممكن أن يعيق أو يسبب الضرر بالعلاقة الوثيقة التي يريدونها بين الصحافة والمال والسلطة. السياسيون أيضا غير مسرورين من البث العام، خصوصاً عندما يمر بأزمة. البث التجاري الباحث عن نسب المشاهدة يمكن أن يكون أكثر فعالية في تأمين انكشاف أكبر على الجمهور. الإعلام التجاري غير معني بإعلام عام عالي الجودة يمكن أن يتحداه أو ينافسه أو يجمع موارد ونسب مشاهدة على حسابه. ليس صدفة إذاً أن الأعلام التجاري يخصص الكثير من الوقت والمساحة لتناول أزمة البث العام، وذلك من منطلق رغبته في تقويض (هدم) أساساته. ومع هذا، من الذي يحتاج إلى البث العام؟ إنه الجمهور بأطيافه المختلفة. البث العام الصحيح والممول من الجمهور من المفترض أن يخدم مصالح الجمهور. قنوات البث الأخرى كما هو متوقع، تخدم المصالح التجارية لأصحابها”[3].
د. تمويل عام متساوي من كل شخص وتمويل مكمل من الحكومة.
تماماً كما الحق في الصحة، والحق في التعليم والحقوق الأخرى، من أجل السماح بتطبيقه فهناك حاجة لموارد مالية. ولكن من أجل أن تمنح الحقوق بشكل متساوي، يجب خلق منظومات جباية تسمح بإمكانية متساوية للاستفادة من هذا الحق من ناحية، وان لا يعتمد التمويل على القدرة أو عدم القدرة الاقتصادية للمواطن، من ناحية أخرى. رسوم الإعلام هو أحد الحلول الممكنة، او تخصيص ميزانية من ميزانية الدولة والوزارات الحكومية المختلفة هو حل آخر كما يمكن أن تتوفر حلول أخرى. والتي يمكن اعتبارها شرعية فقط إذا مكنت من توفير المساواة في وسائل الإبداع والوصول المتساوي للمستمع وللمشاهد.
أي مقترحات لا تشمل كل واحد من هذه الشروط تعني إبطال ماهية البث العام. والتغيير على أي من هذه الشروط سيكون تضليلاً للجمهور فلا يمكن الاستمرار بتسميته بثاً عاماً. إذ لا يدور الحديث عن المحافظة على شرط واحد من هذه الشروط، بل يتوجب الحفاظ على كل واحد منها بمفرده وجميعها معاً في ذات الوقت.
البث العام في إسرائيل يراعي أحيانا جزءاً فقط من الشروط الملزمة للتعامل مع حرية التعبير كحق، لكن حل هذه المسألة لا يكمن في التخلي عن البث العام، بل في المطالبة بتطبيق بقية الشروط دون جدال. التخلي عن البث العام بالطريقة التي تحدثنا عنها وتبرير ذلك بعدم تلبيته لجميع الشروط التي ذكرناها، هو كالتخلص من مياه الاستحمام بينما الطفل ما زال فيها؛ أو بكلمات أخرى، إضرار كبير بالديمقراطية، بدل حمايتها والاستمرار في تحسينها.
[1] حول حرية التعبير كجزء من الحق العام في الاختيار: روت غبيزون، حقوق الإنسان والديمقراطية، قاعدة مفاهيم http://www.daat.ac.il/daat/ezrachut/demokratia/zhuyot-2.htm
2]. جمعية حقوق المواطن، 2001: الإقصاء والتصوير السلبي – إنعدام المساواة في الإعلام الإسرائيلي
http://www.acri.org.il/he/wp-content/uploads/2001/07/hadara.pdf
[3]. دان كاسبي: من لا يحتاج إلى البث العام. منشور على موقع “دائماً مواطنة”
http://citizenship.cet.ac.il/ShowItem.aspx?ItemID=dd680ef2-a87c-4dc6-822e-8c97de82754c&lang=HEB
مقترحات للنقاش الصفي في موضوع البث العام
أهداف النقاشات:
1. فهم الفرق بين حرية التعبير كحق وبين حرية التعبير كمنتج استهلاكي.
2. معرفة الفرق بين البث العام والبث الخاص المستقل.
3. فهم العلاقة بين هذين العالمين من المضامين.
4. دراسة إن كانت مقترحات تغيير نظام البث العام تتفق مع مبادئه الأساسية.
النقاش الأول: إقامة سلطة بث بلدية أو مدنية
1. يقسم الصف لمجموعات تضم كل منها 5 طلاب لمناقشة لمسألة التالية:
ترغب السلطة المحلية بإقامة سلطة بث بلدية / مدنية. عليكم تقرير:
أ. من الذي سيحدد مضامين البث، ولماذا؟
ب. من الذي سيعمل في السلطة ولماذا؟
ج. كيف سيتم إعداد البرامج (بحسب عدد المستمعين، بحسب جودة المضامين، بحسب نسبة تمثيل القضايا، آخر)
د. من أين سيأتي التمويل؟
ه. هل ستكون عليها سلطة رقابية ومن سيكون فيها ولماذا؟
2. يحصل الطلاب على المنشور للقراءة ويطلب منهم تقرير إن كانوا يرغبون بإجراء تغييرات على مقترحاتهم بعد قراءته؛ وإن كان الأمر كذلك – ما هي التغييرات؟ وإن لم يرغبوا بالتغيير – فلماذا؟
النقاش الثاني: اقتراح رئيس الحكومة بتغيير نظام البث العام
1. يقسم الصف إلى مجموعات تضم كل منها 5 مشاركين، تحصل كل مجموعة على:
أ. المنشور أعلاه.
ب. احد المقالات التي تتناول مقترحات التغيير في منظومة البث العام في البلاد – مقترحات:
رئيس الحكومة لا يتخلى عن اتحاد سلطة البث: يدرس تأجيلاً إضافياً لإقامتها
رئيس الحكومة لا يرغب ببث عام: نقاش طارئ حول الاتحاد في الكنيست
سلطة البث: زمن الجروح
2. يطلب من المجموعات تحليل المقترح ودراسة ما يلي:
أ. من خلال المقالة، ما الذي يمكن فهمه من مقترح رئيس الحكومة حول الموضوع؟
ب. هل يقترح رئيس الحكومة بثاً خاصاً أم عاماً؟
ج. فحص ما هي التأثيرات المتوقعة للتغيير المقترح على حرية التعبير؟
د. ما الذي كنتم ستقترحونه للبث العام أو الخاص؟
مقالات حول ماهية البث العام:
دان كاسبي، مقال رأي في هآرتس (20.11.2016): ما هي الاحتمالات المتوفرة للبث العام؟
دان كاسبي، من لا يحتاج بثاً عاماً؟ على موقع “دائماً مواطنة”
جمعية حقوق المواطن، 2001: الإقصاء والتصوير السلبي – إنعدام المساواة في الإعلام الإسرائيلي