العنصريّة لا حدود لها
د. مارسلو مناحيم ڤاكسلر- الكاتب هو المستشار التربوي في قسم التربية/جمعية حقوق المواطن
أدّى مقتل المرحوم سلومون تاكا إلى اندلاع موجة من الغضب في أوساط اليهود من أصول إثيوبيّة، وبالذات أبناء الشبيبة من بينهم. هم يعتبرون إسرائيليّين بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنًى، ولكن مع “وصمة سوداء” على بشرتهم، وحياة تتّسمُ بالإقصاء والتخلف..
العنصريّة، وبالذات عندما تكون شائعة ومفسّرة ويروّج لها من قِبل النخبة الاجتماعيّة، على يد غالبيّة المؤسّسة السياسيّة وآليّات القمع التابعة لها، لا يمكن أن يكون لها حدّ واضح ومتّفق عليه.
ليس من الهامّ من هو “هدف” العنصريّة, العرب، طالبي اللجوء، الأطفال الإسرائيليّين أبناء مهاجري العمل الذين تقرّر طردهم، الفلسطينيّين عامّة تحت الاحتلال، وغيرهم.
لا تستطيع المؤسّسة أن تتصدّى للتفسير الواسع تجاه مَن يجب أن يكونوا عنصريّين، في المجتمع المتعدّد الثقافات وذي الفجوات الاجتماعيّة والسياسيّة الهائلة. وهي لا تستطيع أن تتصدّى للعنف، حتّى لو أنّها أحيانًا تمتنع عن تسمية الأشياء بأسمائها.
في المجتمع الذي يتحدّثون فيه عن أشخاص مثلنا من خلال التعميم كمغتصبين، مجرمين، ناشرين للأمراض، مخرّبين، عديميّ الشخصيّة لأنّهم جزء من مجموع ملعون. بنو البشر يقتنعون- لأسفنا الشديد- بصورة سريعة جدًّا للفروق “بيننا” و- “بينهم”، من منطلق الشعور أنّنا نستطيع هكذا التخلّص من السحق الاجتماعيّ الذي يطلب منّا أن نميّز أنفسنا كي نحظى ببعض الفتات من كعكة المؤسّسة.
جميعنا، بلا استثناء، عنصريّون محتملون. عندما تكون هذه هي الرسائل التي تُنقل من قِبل وسائل الإعلام المجنّدة لصالح النخبة الاجتماعيّة. لأنّه لا نرى البديل، الذي يبدو صغيرًا، خاضعًا للرقابة وخائف.
الادّعاءات المنحرفة التي بموجبها يجب الفصل بين المجتمع الإثيوبيّ، وبين ما يحدث في الأراضي المحتلّة، أو ما يحدث في جنوب تلّ أبيب، أو ما يحدث لكلّ شخص أسمر البشرة عندما يتجوّل في المدينة الكبيرة، أو الطرد المنهجيّ للسكّان العرب-البدو من النقب، أو المقارنات بين العرب مواطنيّ الدولة والطابور الخامس. يعتبر الفصل جزءًا من الاستراتيجيّة الطويلة والتاريخيّة لجميع النخبة الملتزمة ببرنامج عمل عنصريّ ومعادية للمجتمع. من دون فصل فإنّ الأشخاص العاديّين يمكن أن يأخذوا على عاتقهم الحقّ في التفسير وفقًا لإرادتهم. فهكذا يرى اليهود المسيحيّانيّون على اختلاف مشاربهم أنفسهم مبعوثين باسم النظريّة العنصريّة- ليست توراة إسرائيل- والعمل من أجل نبذ الأطفال الشرقيّين، الأطفال العرب، الأطفال الإثيوبيّين وسواهم. كلّ شرطيّ أو جنديّ يمكنه أن يطلق النار لكي يقتل طفلًا فلسطينيًّا أو فتًى إثيوبيًّا، أو امرأةً.
كيف يمكنني كعنصريّ بين عنصريّين، في المجتمع الذي تسمّم بسبب هذه الرسائل، أن أميّز بين سود البشرة؟ كيف يمكنني أن أميّز، حينما يكونون “جميعهم متشابهين” عندي، وأخاف من جميعهم. كيف يمكنني أن أميّز بين “عربيّ جيّد” و- “عربيّ سيّء”. أميل إلى التعميم، إذا كانت المؤسّسة تقول لي “إنّهم هكذا”، فإنّني أعمّم أيضًا. وعلى الطريق فإنّني أفقد الصورة الإنسانيّة، وكذلك فإنّني أفقد قدرتي على أن أرى فيهم صورتهم الإنسانيّة.
الفصل في الخطاب الذي نسمعه ونراه بعد عدّة أيّام على مقتل تاكا، هو جزء من خطّة لمعاودة تخدير الجمهور. يعود كلّ واحد وواحدة إلى منزله بهدوء، كي يواجه ضميره، الذي يميل عادة، في مثل هذه الظروف الاجتماعيّة، إلى أن يكون متسامحًا للغاية. كلّما كنا مهشّمين ومنفصلين أكثر، هكذا يكون إقناعنا أسهل، أنّ “هذا حدث لمرّة واحدة”، وأن هذا ليس موجّهًا تجاهي أو تجاه أشخاص غزيزين عليّ، بل خطأ بشريّ، تجاه من يعتبر مشبوهًا وكان في المكان الخطأ وفي الوقت الخطأ.
سخرية النخبة الاجتماعيّة التي تبدو أنّها تجاوزت كلّ الحدود، ما هي إلّا تعبير واضح للتصوّر الذي يؤمنون به. هناك الفئة المختارة وهناك مَن سنُسدي لهم معروفًا ونحاول أن نضمّهم إلينا، على غرار طريقة برنامج تلفزيون الواقع. الأشخاص ذو المزايا الرفيعة الذين نعتبرهم نحن وليس هم أنّهم ملائمون للانضمام إلى صفوفنا. ولكنّ هؤلاء أفراد. سندريلا في بيت مليء بالساحرات. هذا ليس خطأً أو مبالغة في الأسباب. لا داعي للبحث عن السلوك العنصريّ لنخبة في أقبية ألمانيا في عشرينيّات القرن الماضي. هذا توجّه بسيط بغية السيطرة على الجماهير التي تعاني من العنصريّة، القمع، الفصل، الحرمان، الإقصاء والشفافيّة. هذ ليس برنامجًا لأقليّة ملاحقة. هذا برنامج استراتيجيّ شامل يهدف إلى اقتحام كلّ خليّة في جسدنا، بحيث لا نستطيع التمييز وفهم جوهر الواقع.
الأمر ذاته أيضًا بالنسبة إلى الردّ على غضب أبناء الشبيبة من المجتمع الإثيوبيّ في المظاهرات. الفصل بينهم وبين الأغلبيّة “الصامتة”. وذلك لأنّ “الإثيوبييّن أشخاص لطيفون”. حتّى يفتحون أفواههم. وحينها يظهر للعالَم الأعمى أنّ غضبهم هو ردّ على العنف الظاهر للنخبة الاجتماعيّة. العنف الذي يضعف ويقوّض حقّهم في أن يكونوا بشرًا. العنف ليس خيارًا نفعيًّا، هذا تصوّر المؤسّسة وأذرعها المسلّحة. عندما يكون المقموعون عنيفين، فهم يفعلون ذلك لأنّهم سئموا ولأنّ هذه هي الطريق الوحيدة التي يجدونها للتعبير عن أنفسهم ضدّ نخبة صمّاء وعنصريّة.
تمتلك النخب الاجتماعيّة آليّة جيّدة كي تخدعنا، وتفصل بيننا، وتحدّ من رؤيتنا، وخاصّة تحويل معظمنا إلى غير مبالين. لأنّه في مجتمع كهذا لا خيار أمامنا إلّا الحفاظ على بقائنا، وأن نثبت على الملأ أنّنا جزءٌ من المختارين أو على الأقلّ قريبون من المختارين.
حتّى يصل إلينا ذلك. بسبب لون بشرتنا، بسبب آرائنا، بسبب مشاعرنا، بسبب أصلنا، بسبب كوننا غير مكترثين أو بسبب كوننا فعّالين. سيصل إلينا العقاب، ليس بسبب سلوكنا كما يبدو، بل بسبب كوننا لم نسهم بشكل فعّال في وجهة النظر المألوفة. لأنّنا تمرّدنا، حتّى بصمتنا.
الطريقة الوحيدة لتكون إنسانًا في مجتمع منحلّ، هي أن نرى أنفسنا جزءًا من الأغلبيّة، أن تكون متضامنًا، مع جميع أولئك الذين يعانون. لا يهمّ إذا كانوا يشبهونني أو يختلفون جوهريًّا عنّي. ليس من الهامّ إن كنت سأخسر. لأنّه إن لم أخسر الآن، سيخسر أبنائي أو أحفادي، الأشخاص الطيّبون الذين أعرفهم وأعزّهم. وكذلك أشخاص لا أعرفهم على المستوى الشخصيّ، لكنّني أعرف أنّهم جزءٌ من كينونتي عندما يكونون على قيد الحياة. إنّهم جزء من مجتمعي.
يجب ألّا نسمح للعنصريّة بأن تترسّخ مجتمعنا كمسمار في خشبة متعفنة. وألّا نسمح لحاملي المطرقة أن يضربوا.